-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
غداة سطو عصابة الأوليغارك على ثروات بيوت الميسر

عهدة مفتوحة لحكم “العقب الحديدي”

حبيب راشدين
  • 7881
  • 0
عهدة مفتوحة لحكم “العقب الحديدي”

“ما نعتقد أننا نعلمه، يحجب عنا في الغالب ما ينبغي أن نعرفه” يقول عالم اللسانيات غاسطون باشلار، فهل كان يجب علينا أن نعرف شيئا آخر عن الأزمة المالية التي هزت الأسواق المالية، غير الذي علمناه من القراءات الإعلامية المتسرعة؟ وهل كانت أزمة دورية عارضة، أنهت حقبة من الليبرالية المتوحشة، سوف ينجح نادي الجي 20 في معالجتها، أم هي مخاض ولادة “العقب الحديدي” الذي بشر به الأديب الأمريكي جاك لندن منذ قرن، بسيطرة كبار الاوليغارك على دواليب الاقتصاد العالمي والمؤسسات الحكومية، ويدشن ليلا طويلا من دكتاتورية أرباب المال على البشرية يمتد لثلاثمائة عام؟

 الرأسمالية التي تفتضح على رأس كل عشرية، التقى سدنتها الواحد زائد تسعة عشر على طاولة كبيرهم الذي علمهم السحر، يتبادلون النخب. حتى خادم الحرمين الخارج للتو من لقاء حميمي للتطبيع تحت عباءة حوار الأديان، انساق إلى شعائر قرع الكؤوس مع الأخ الكبير، بوش الصغير، وإن كانت الصورة التلفزيونية ليست بعد بالدقة التي تميز بين الخمر والمشروب الحلال. 
ما نعلمه يقينا،أن الغائب عن مأدبة اللئام لم يكن فقط المليار وثلث مليار مسلم، ولا القارة السمراء، وملل كثيرة من فقراء آسيا وأمريكة الجنوبية، إنما الغائب هو بتعداد سكان المعمورة، إلا من زمرة ميسورة فوق العادة، يقال أنها بتعداد عشرة ملايين من مليارديرات البشرية. بل أكاد أجزم أن ثلة غير قليلة من هذه الطائفة سوف تلتحق بنا عما قريب بعد عملية السطو الكبرى التي طاولتها في أسواق الربا والميسر.

 .

من يحكم من في العالم المعولم؟
 
دعونا نحرر سؤالا كبيرا، قبل المضي في تحليل ما يصلنا من معلومات وتقارير وتصريحات وصور، حول هذه الحركة المحمومة لكبار الزعماء في العالم. “من يحكم من، من الساسة وأرباب المال” فإن كنت تعتقد أن بوش وبراون وميركل وساركوزي وميدفيدف هم الحكام الفعليين، كما تدل عليه ألقابهم الرسمية، ودساتير دولهم، فإنك غير معني بما سيأتي، والأفضل لك أن تنفق الدقائق العشر القادمة في قراءة موضوع آخر، أما إذا كانت تراودك من حين لآخر بعض الشكوك، فقد تجد في ما سيأتي ما ينقلك من الشك إلى الريبة، ومن الريبة إلى طرح الأسئلة الذكية التي تبدأ بالتشكيك في كل ما يرد عن زمرة العلية.
ما نعلمه من الإفادات الإعلامية اليومية، أن قادة مجموعة العشرين قد تداعوا لدراسة الأزمة المالية، وبوادر حصول انكماش عالمي في الاقتصاد الحقيق، وأنهم مصممون على إيجاد مخارج للأزمة، وإنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار، وإدخال إصلاحات بالبنية المتبعة منذ اتفاقيات بروتن وودز في إدارة النشاط المالي والنقدي العالميين.
دعوني أبين لكم أولا جملة الأكاذيب المضمرة في هذه الجمل القصيرة التي لخصت البيان الختامي للقاء، بدءا بكذبة توسيع نطاق المشاورة خارج النادي الأصلي لجماعة “الجي 7” ذالك أن هذا النادي الجديد الذي وجد بعد نادي “الجي 7″، و”الجي 8” و”الجي 14″، ليس له أي وجود قانوني أو مؤسساتي، حتى يؤمل فيه تصديق ما يدعيه أصحابه. فإذا تأكد لك أن هذا اللقاء، ضمن مجموعة ليس لها أي وجود قانوني أو مؤسساتي، يلزم أطرافه بما يصدر عنه من أدبيات، فلابد أن تصدق أن كل ما يصدر عنه هو للاستهلاك الإعلامي، إن نحن أحسنا الظن بهم، وإن كان ذالك عندي، يدخل ضمن منهج عبث الحكام بالشعوب، السفلة منها وكثيرا من الصفوة ممن يعتقدون أنهم شركاء في الحكم، ولأنه جزء من عملية تهويل وتخويف، زرعت الرعب عن قصد في الأسواق المالية، لغاية في نفس اليعاقبة من كبار الأوليغارك، تبعتها في هذه الأيام حملة تخويف لعموم سكان المعمورة بقرب انهيار الاقتصاد العالمي، أو على الأقل دخوله مرحلة انكماش، يعلم الجميع تداعياتها على حياتنا اليومية وأوضاعنا الاجتماعية.

 .
 
أسئلة مثيرة على مسرح الجريمة
 
أجدني بحاجة إلى التذكير بالسؤال: هل ما شاهدناه طيلة الشهرين الماضيين كان أزمة مالية، وحالة انفلات للأسواق المالية من عقالها بسبب عبث بعض المضاربين من قادة البنوك المغامرين، أم هي أزمة زرعت بذورها بعناية، وسقيت حتى اشتد عودها، وانتفخت فقاعتها على النحو الذي رأيناه؟
عند أي ارتياب باحتمال حصول جناية، يعني المحقق بمعرفة الضحايا والجناة، وتعقب الدافع، والتدقيق في مسرح الجريمة، بحثا عن قرائن وأدلة تقود إلى الجاني من عدة طرق.
في أقل تقدير، سبعة من الرؤساء المشاركين في هذا اللقاء كانوا على علم ومتابعة عن كثب لـ “خضراء الدمن” وهي تزرع بكبريات الأسواق المالية، وكانت بين أيديهم تقارير ضافية عن التفجيرات السابقة في الأسواق المالية مثل انفجار الفقاعة في الأسواق الأسيوية سنة 1997 . وسلسلة مضاربات على العملات في الدول الصاعدة لعبت فيها الأسواق المالية دورا رئيسا، بقيام يد خبيرة بتحريك رؤوس الأموال بكثافة، خربت كثيرا من الدول الصاعدة، وقادتها إلى بيت الطاعة عند صندوق النقد الدولي. المكسيك سنة 94  النمور الأسيوية سنة 97 روسيا سنة 98 البرازيل سنة 1999 والأرجنتين سنة 2001.
 
 .  
حاميها حراميها
 
الأزمة المالية الراهنة لم تكن غائبة عن حكومات دول “الجي 7″، كما كانت متداولة بين الخبراء الاقتصاديين، وتداولها الإعلام الاقتصادي المختص منذ أكثر من عامين. فما الذي أخر هذه الحكومات، وهي التي تقدم لنا كمثال للحكم الراشد، ما الذي أخرها عن اتخاذ التدابير اللازمة، كتلك التي اتخذتها في الأسابيع الأخيرة. وقد كان من واجباتها حماية ودائع الملايين من المتقاعدين والمدخرين في صناديق الائتمان، أو حتى صغار المضاربين في الأسواق المالية؟ وهي مخيرة بين أمرين: فإما أنها كانت تجهل ما يرتب له كبار الأوليغارك في الأسواق المالية، وبيوت الصيارفة، ومكاتب السمسرة، فتكون مذنبة لأن حماية أموال الناس وتحقيق قدر من الأمن لها، لا يقل أهمية عن حماية أجسادهم من تهديدات ما يسمى بالإرهاب، وقد رأينا ما أنفقته هذه الدول، ومعها معظم دول العالم في المجال الأمني بأحجام خلقت سوقا جديدة رائجة في مجال الخدمات والسلع الأمنية، أو أنها كانت تعلم ـ وهو اعتقادي ـ لكنها لم تكن تملك السلطة، حتى لا نقول الإرادة، لمنع كبار الأوليغارك من المضي في تنفيذ عملية السطو الكبرى التي طالت الأسواق المالية العالمية في الأسابيع الثمانية الأخيرة. ظني أنهم لم يكونوا على علم فقط، بل شاركوا في الجريمة التي أفقدت، في ما نعلم صناديق السيادة العربية في الحد الأدنى المعلن أكثر من 400 مليار دولار، ونهبت من صغار المضاربين ومن المضاربين بمدخرات أصحاب المعاشات والائتمان، بتواطؤ من بنوك عالمية كبيرة، نهبت منهم قرابة 2000 مليار دولار في بضعة جلسات في نيويورك ولندن وطوكيو وباريس وفرانكفورت.
قد يكون جانب من هذه الثروة قد تبخر، لكن الجزء الأكبر من عوائد هذا الميسر العالمي قد انتقل فقط من أيدي كثيرة بعوائد زهيدة، إلى أيدي قليلة سوف تجد أكثر من فرصة لإعادة تثمين الأرصدة المسمومة، وإعادة تسويقها بتغليف جديد للسذج من القوم. غير أن المهم في عملية السطو الكبرى هذه لم يكن جني الأرباح، بقدر ما كان تطهير الأسواق المالية من اللاعبين الصغار وحتى المتوسطين.

 .
 
ليلة السطو الأكبر داخل بيوت الميسر
 
ما لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا، أن السندات والالتزامات المتداولة في الأسواق تحت مسميات كثيرة تقع تحت اسم المشتقات، لم يحرقها أصحابها، بل بيعت بأثمان بخسة. المستشار الاقتصادي الأول للمرشح أوباما السيد موبيت، اكبر ملياردير على الأرض كان طوال الأسابيع الماضية يضارب في هذه الأسواق بلا حدود، ومثله رموز أوليغاركية أخرى كانت تشتري كل ما يعرض في الأسواق. وتقاتلت بعض كبريات المصارف، فذكرت مصادر أن بنك ليمان بروذرز العريق، كان ضحية عملية مدبرة من مصرف مورغن. ما لا نراه بوضوح، هو عملية إعادة الانتشار وتوزيع أوراق اللعبة في الحقبة الليبرالية القادمة، بين قلة قليلة من الأوليغارك، الذين لن يسمحوا لأحد بقتل الدجاجة التي تلد بيضة الذهب، وهي من الحيوانات الدجنة في حقل الصناعة المالية، وليس في حقول الاقتصاد الحقيقي، حتى وإن كانت الأزمة المالية والصعوبات التي بدأ يلاقيها الاقتصاد الحقيقي، تمنح فرصة لزمرة الأوليغارك لتثبيت القبضة، بتحقيق مزيد من التمركز والاندماج.
ما نراه ليس أزمة الاقتصاد الرأسماليـ بل ولادة لرأسمالية جديدة لا قبل للشعوب بها، قد نجحت في وضع اليد على مؤسسات الحكم في معظم الدول الغنية، تتحكم في الأحزاب ودوائر تصور وصناعة القرار في دور الدراسة وكبريات الجامعات، لها جنود من الخبراء والمثقفين وصناع الرأي، وتتحكم في أهم قطاعات الإعلام، وفي تدفق المعلومات. لا تتأثر بالاحتجاجات الشعبية أو العمالية، وتمتلك في الحكومات المسيطرة على المؤسسات الدولية، أدوات لإدارة حروب محدودة، وإشغال الناس وتخويفهم بحملات ترويع متتالية، من الإيدز إلى وباء السارس، وتهديدات ما يسمى بالإرهاب، بالقدر الذي يسمح لها اليوم بانتزاع معظم مكاسب الشعوب على مستوى الحريات بمزيد من التقييد، والرقابة الأمنية، وبسط شبكة رقابة رقمية على الأفراد.

 .
 
زمن العبث بعقول “أمم الغويم”
 
التجربة التي أنجزت مع المحافظين الجدد، وأغلقت مع رحيل إدارة بوش، كانت جد منتجة ومثمرة، كشفت لرأسمالية الأوليغارك مقدار السهولة التي يمكن بها تسويق أكثر من حرب خارج، أية شرعية، وبناء على أكاذيب صدقتها النخب قبل أن تبتلعها العامة. فما تزال قطاعات واسعة من النخب العالمية، بما في ذالك نخب الدول والأمم التي كانت ضحية الحرب على الإرهاب، ما زالت تصدق أن القاعدة والمتشددين الإسلاميين يشكلون تهديدا قاتلا للأمن العالمي، ويصدقون أن دولة مثل إيران، وهي تحبوا نحو امتلاك قنبلة نووية، صارت تهدد أمن العالم المالك لخمسين ألف رأس نووي. فقد استطاعت أن تبيع للشعب الأمريكي عهدة ثانية لبوش، في الوقت الذي كانت فيه شوارع نيويورك ولوس أنجلس تمتلئ بمئات الملايين من المحتجين على الحرب على العراق. ونجحت أخيرا في تسويق رئاسة الأسود الأفريقي الأصل أوباما، على أنه انتصار للشعب الأمريكي وللديمقراطية.
بقدر كبير من الاندهاش، استمعت إلى الرئيس الفرنسي والرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي، وهو يردد هذه الجمل في توصيف ما يحدث: إن رأسمالية “دعه يعمل دعه يمر” قد انتهت، وهي جنون. وأن الاعتقاد بقدرة السوق على تنظيم نفسه جنون، ورسائل أخرى لم تكن تصدر حتى عن غلاة اليساريين. وأنا أصدق الرجل، لأن المرحلة الجديدة التي نشهد ولادتها هي انقلاب للرأسمالية على أهم مبادئها. فالأسواق سوف تشهد تقييدا ورقابة على حركة رؤوس الأموال، وعلى المبادلات في البورصات في الاتجاه الذي يضمن فترة استقرار للأسواق، وإعادة الثقة مجددا لصغار المستثمرين وعودة صناديق الائتمان وصناديق السيادة للعبة الميسر قبل السطو عليها في وقت لاحق.
ما محلنا نحن من هذا الإعراب الجديد ؟ في أحسن الأحوال سوف نكون جملا اعتراضية، محض حشو وفضول كلام، يمكن الاستغناء عنه، لأننا نصر في عناد قاتل على هذه الشراكة الآثمة في مؤسسات دولية سياسية واقتصادية انتقلت السيادة فيها لحكومة ظل عالمية، لا يحتاج فيها الأوليغارك لا إلى مسارات انتخابات، ولا إلى تعديل للدستور أو تمديد للعهدات، ولا يعنيها من يلبس تاج الملك الزائف : ملك عضوض، أمارة، مشيخة، رئاسة بالتقسيط، أم جمهوريات تدين بالتوريث أم بالتداول على الكراسي، ما دام خراج “أمم الغويم” يأتي صيارفة بني إسرائيل طوعا أم وشعوبها صاغرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!