-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

عوامل الصّلاح العامّ ثلاثة

أبو جرة سلطاني
  • 349
  • 0
عوامل الصّلاح العامّ ثلاثة

عوامل الصّلاح العامّ: أوّلها التّمكين للحاكم في الأرض بفقه الأسباب فيكون له باتّباعها سلطان علم وقوّة فهم وسعة ثّروة وانتشار جاه واستقرار اجتماعي. فإذا أضيف إلى هذا العامل المكين عمقُ الإيمان وبصيرةُ العدل بالحقّ قاد ذلك إلى هداية استخلاف الأرض، الذي من أجله خلق الله الإنسان وعلّمه البيان: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ” الحج: 41.

وثاني هذه العوامل هو الأخذ بالأسباب دون الافتتان بها. والتّكيّف مع سُخْرتها بما ذلّلها الله له، وتطويع حركة الإنسان معها لخدمة المقاصد باتّخاذها وسائل حسيّة لإدراك الغايات الماديّة والمعنويّة. فقد أتى الله ذا القرنيْن منْ كلِّ شيءٍ سببًا فأخذ بما آتاه مع استحضار نيّة العمل الصّالح فكانت سيرته مَعْلما من معالم الحقّ.

وثالث هذه العوامل هو تقديم الحقّ على القوّة، والعدل على البطش، والحسْن الرّاجح على القبح المرجوح في سيّاسة النّاس، مهما كان عددهم. ومهما كان دينهم ولغتهم وجنسهم ولونهم.. وتقديم أهل الصّلاح وتشجيعهم وتيسير سبل عملهم لترجيح كفّة الحقّ على القوّة، وتكثير سواد المحسنين أمام فلول المسيئين. وهو ما فعله ذو القرنين: ((كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)) (الكهف: 91)، كما ساس النّاس في مغرب الشّمس ساسهم في مشرقها. فالعدل قيمة مطلقة لا يتغيّر بتغيّر الجغرافيا ولا تتبدّل أحكامُه بتبدّل أحوال النّاس.

اختار ذو القرنيْن مسلكا وسطا في سيّاسة النّاس، ولم يهتم بعادات من سكنوا المشرق ومن أقاموا في مغربها، مسلكا ثابتا ارتضاه الله له بأسباب متاحة فأفرّه الله عليه فلم يكر عليه بالبطلان ولم يعقّب على ما قال بشيء ينقل القيّم إلى الذي هو أقوم ليقرّر أنّ سياسته عادلة، فمن ظلم يستحقّ الأذية. ومن آمن واجتهد في العمل الصّالح يستحقّ المكافأة. فصارت هذه العادة قاعدة حكم ثابتة وسيّاسة عدل ماضيّة في سيرته مع كلّ من يسوسهم بسابق علم الله بما في نيّته، فأجاز سيّاسته بتوكيد ما فعل في المغرب. فليفعل مثل ذلك مع أهل المشرق ولا يخالف عنها وقد تقرّرت حكما وعدلا وأحاط الله بما في دخيلة نفسه فأشاعه في النّاس: ((كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)) (الكهف: 91).

ليست لديه سياسة غير هذه، وليس في نيّته تغيير أصول سيّاسته ولا تبديل قواعدها العامّة وإخضاعها لتغيّر الزّمان والمكان والإنسان والحال. فحاله مع أهل المغرب كان حالا سديدا رشيدا باركه الله وأجازه وأقرّه عليه، فكان ذاك حاله مع أهل المشرق. فلما استقام عودهم وصلحت حالهم وعلم المسيئُون منهم أنّ فوق كلّ ظالم عادلا يردعه ويردّ إليه صوابه. وأيقن المحسنون أنّ الخير في الأرض لا تحجزه الموانع ولا تهدر طاقته الغوغاء ولا تصدّه الكوابح ولا تحدّ من انتشاره حواجز الظّالمين.. استقام حالهم فتركهم ومضى إلى حيث تسوق الأقدار خطواته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!