-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عَبَرات عربي .. في مولد النبي

عَبَرات عربي .. في مولد النبي

في ذكرى مولدك الشريف، الذي عمت أنواره، أرجاء الأكوان، فذرفت دموع، وأشعلت شموع. وفي رحاب كنفك الطاهر، الذي عطرت نفحاته كل الأصقاع والربوع، فتوحدت بفضله الجماهير والجموع.

  • يا سيدي. يا رسول الله!
  • ها هي ذي عبرات، وزفرات، أرسلها في تبتل وخشوع، تحت وطأة ما تعانيه أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها، من هول الظلم، وشدة الجوع.
  • فيا سيدي يا رسول الله!
  • إن أمتك التي أعزها الله بالإسلام، فكانت خير أمة أخرجت للناس، صارت تذل وتداس من الحكّام ومن الحرّاس، فكبتت في الأحرار الأنفاس، وملئت بالشرفاء الأحباس، وساد فينا الأرذال والأنجاس، فاختلطت علينا “الأخماس بالأسداس”.
  • قم يا سيدي تر كيف يساس الناس بالبطش والعسف، طبقا للدستور. وكيف تساق الجماهير، كالحمير، بالعصيّ والسلاح من عبد مأمور. لقد سرقت أموالنا باسم الاستثمار، ونهبت ثرواتنا باسم الادخار، وديست هويتنا بسبب التبعية للاستعمار، فكان الاحتقان، وكان الانفجار.
  • ومن آيات الله، أن الإسلام، الذي ناصبه بعض الحكام العداء، كان هو وميض النار الذي أشعل الشرارة، وأعطى الإشارة، وشن الغارة، فأسقط نظام الأمير والإمارة، باستحقاق وعن جدارة.
  • “ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين”. فقط سقط الحكام وبقي الإسلام، وانهزم الأمير، وانتصرت الجماهير وجاء الحق، وزهق الباطل.. وإن في ذلك لعبرة.
  • فما هي العبر والدروس التي يمكن أن نستخلصها من ملحمة الحاكم والجمهور، فنضيء بها -في المستقبل- دروبنا، ونحرر -في ضوئها- ذاتنا وشعوبنا؟
  • إن مما يجب، علينا، وعيه، ونحن نجدد الذكرى مع مولد البعثة المحمدية، أن نغوص في تأملات داخل الذات العربية الإسلامية بآمالها، وآلامها، فنشخص داءها، ونصف دواءها. وإن في المخاض الذي تعيشه، أمتنا المحمدية، والزلازل التي حركت ولا تزال سواكنها، محطات، وعلامات، ترتسم أمام العقل العربي المسلم، فتحاصره بأسئلة شتى، وتسلمه إلى مجموعة من الدلالات لعل أهمها:
  • 1- إن الشباب في الأمة، هو صانع غدها، والقوة البانية لمستقبلها، والضامنة لنصرتها، غير أن هذا الشباب سلاح ذو حدين.
  • فهو القدوة في السلوك، إن نحن تعهدناه بالتربية والتعليم، ونشأناه على المنهج القويم، والخط المستقيم، فيكون أداة إصلاح وتغيير، وضامن تشييد وتحرير، وذلك ما ضربه مثلا، الشباب التونسي والشباب المصري، عندما قدما للعالم صورة مثلى، عن كيفية إدارة الأزمات في أمن، وأمان، وإيمان.
  • ولكن الشباب قد يأتي، على عكس الفطرة السليمة، إن لم يجد الرعاية النفسية، والمادية والخلقية، وإن هو حُرم الحب والحنان، والعناية بغذاء الأبدان، وثقافة العقل والجنان، فيشب حاملا لمعول الهدم والتخريب، ناقما على البعيد والقريب، آتيا من الطباع كل ما هو شاذ وغريب.
  • التقينا بهذا النموذج السيّئ من الشباب عندنا في الملاعب، حيث يعتدي على الملعب واللاعب، ونلتقي به في المسيرات السلمية، حين يكون شرّ بليّة على الراعي والرعية، حصاده خراب، ونعيقه غراب، ومنطقه شتائم وسِباب، فأحدث في نفسه وفي وطنه العجب والعجاب.
  • 2- ومن الدروس المستفادة، أن قد انتهى عهد الإقطاعية والاحتكار، في السياسة وفي الاقتصاد، وفي الإعمار، وأفل عصر الاستبداد، والتسلط، والتحكم في رقاب العباد، وخيرات البلاد.
  • إن الدروس النموذجية في السلوك، التي قدمتها تونس ومصر، والتي أفضت إلى التغيير، لحريّ بها أن توقظ الهمم، وتحيي الذمم، وتجدد فلسفة الحكم في رعاية الأمم… إن نسائم التغيير التي تهب على شواطئ بلداننا، لن تلتزم -في هبوبها- بحدود، وهي قادرة على تحطيم كل القيود، إن لم نحصن بلداننا بالعدل، فنقيم على أساسها السدود التي تحمي الحكام من مصائب اليوم الموعود، وشاهد ومشهود.
  • 3- إن روعة المشهد الوطني، الذي رسمه لنا ميدان التحرير في مصر، بمختلف فئاته، وطبقاته، كان مشهدا، ساده التسامح، والتصافح، فتعانق فيه الهلال والصليب، والبعيد والقريب، والمريض والطبيب، وما ذلك إلا لأن الفهم الصحيح للدين، أي دين، قد سما بصاحبه، عن كل تطرف، وغلو، وإقصاء، وساد بدل ذلك، التضامن، والتكامل، والإخاء.
  • وما أروعه المشهد التونسي، هو الآخر، الذي جمع، على صعيد واحد، المتدين والعلماني، والإخواني، والسلفي والعقلاني، فتوحدوا جميعا على حب الله، وحب الوطن، فذابت الخلافات، وانمحت النزاعات، وحل بدل ذلك النبيل من العلاقات، والمقدس من الشعارات، وذلك ما تعلمناه من معلم الإنسانية الأول محمد صلى الله عليه وسلم.
  • 4- إن الصورة التي التقطها العالم عن شعبينا في تونس ومصر، قد غيرت النظرة القديمة، وأحدثت صدمة أليمة، ذلك أن الشعب العربي عموما، والشباب منه على الخصوص، قد أصبح تواقا إلى الديمقراطية الصحيحة، بعد أن كان جيل التحرير، تواقا إلى الحرية.
  • والأروع من ذلك، الربط بين لقاء الملايين في الساحة، ولم ينتج عن ذلك، أي تكسير أو تخريب أو جراحة. لقد فرض شبابنا، تقدير الجميع في العالم، حتى الذين يكرهونه، فاحترموا إرادته، وقد سووا عبادته، وساندوا سيادته.
  • فليت الحكام العرب، يفقهون الدرس، فيتعهدوا بالرعاية والاحترام، النبت والغرس، ويعوضوا الغلظة والشدة باللين والأنس. يجب أن نغير كل شيء في واقعنا، من الاعتراف بحقوق المواطن، إلى إثبات وجود المعارض الآخر، أيا كان لونه، ومهما كان معتقده. فإن لم يفعلوا، فسيدوسهم قطار التغيير، وتقتلعهم عواصف التحرير، فيكون مآلهم سوء المصير.
  • فيا سيدي! يا رسول الله!
  • هذه دموع أمة مقروحة، تذرفها على ضريح مولدك الطاهر. وهذه زفرات جموع مجروحة تصعدها، في ذكرى مولدك الظافر، وهي -ترجو- أن تكون أعمالا ناطقة، نتقرب بها إلى الله، كي يفرج كروبنا، ويفتح قلوبنا، ويملأ -بالحلال- جيوبنا، وينصر -بالحق- شعوبنا.
  •  
  • (*) أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر 2 ـ بوزريعة
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!