الرأي

غضب سعودي وغدر أمريكاني

صالح عوض
  • 3255
  • 14

منذ رفض سعود الفيصل إلقاء كلمة المملكة في مؤتمر جمعية الأمم المتحدة السابق وحتى هذه اللحظات خيبة أمل كبيرة في أوساط الحكام السعوديين بعد قصة عشق طويلة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. فمنذ نشأة “اورامكو” وضعت الخطوط الأساسية لعلاقات استراتيجية بين العائلة الحاكمة في السعودية وبين صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية من أصحاب شركات النفط العملاقة وشركات أخرى تتحكم بالاقتصاد الأمريكي..

وشهدت العلاقات السعودية الأمريكية استقرارا وعمقا إلى درجة “الشراكة” في قمع الحركات الثورية في المنطقة العربية والاسلامية بل وتعدتها أحيانا أخرى في قارات العالم..فكانت حربهما ضد عبدالناصر ومشروعه التحرري وإجهاض طموحاته في الوحدة والتصدي للمشروع الصهيوني وضد الخميني ومشروعه الثوري عندما جيروا أموال الخليج للوقوف خلف عدوان الجيش العراقي على إيران وتغطيته بعشرات مليارات الدولارات له..وضد صدام حسين عندما ابتعد عن الأمريكان..

وأسهمت هذه العلاقة في صناعة الرأي العام المواكب للعدوان المستمر على العرب والمسلمين وأنشأت هذه العلاقة مؤخرا وثيقة سعودية تحت اسم المبادرة العربية تعترف بضياع أربع أخماس فلسطين إلى يد المشروع الصهيوني..وما تشهده جبهة الحرب على سوريا وقيام بندر بن سلطان بقيادتها. إن كل ذلك كان بمثابة تقديم عربون الصداقة التاريخية المتواصلة، هذا إلى جانب ضخ كميات من النفط كلما احتاج الأمر لتدمير دولة أو توجه في المنطقة أو العالم، ولعلنا نتذكر المستوى المتدني لسعر النفط عندما ضاعقت المملكة ضخها للنفط، وذلك لإسقاط الاتحاد السوفيتي وإلحاق الضرر بالاقتصاد العربي.. أليس هذا كله كافيا لإشعار الأمريكان بوفاء الصديق السعودي.

مشكلة الحاكم العربي أنه لم ينتبه بعد إلى أن العلاقات بين الدول لاتحتكم إلى الصداقة والمشاعر وأن العلاقة بالادارات الأمريكية بالذات لا تحالف فيها ولا صداقة إنما هي المصالح.. ولم ينتبه الحاكم السعودي أن اعتماد الأمريكان عليه ضد عبدالناصر والخميني كانت في مرحلة لم يستطع فيها عبدالناصر أو الخميني تشكيل خطورة واقعية وإن تمكنت المؤامرة من النجاح ضد مشروع عبدالناصر في الوحدة والنهضة وانتهى عبدالناصر مهزوما ومشروعه مبددا..

إلا أن مشروع الخميني استطاع مواجهة الحصار وإيقاف الهجمة العدوانية واستطاع أن يتقدم نحو القدس قلب العرب والمسلمين وأن يصنع هناك قاعدة متقدمة لمواجهة المشروع الصهيوني، واستطاع كذلك أن يُكوّن تحالفات حقيقية في العالم من موسكو إلى كوبا وفنزويلا والبرازيل وفي المنطقة مع سوريا والعراق، وهناك دول كثيرة صديقة في المنطقة.. استخدمت المملكة كل وسائلها لمواجهة التقدم الإيراني ومن أسوئها اعتماد النبرة الطائفية وتحريك قوى الفتنة في سوريا ولبنان والعراق للتشويش على مشروع الخميني..إلا أن تطور الأوضاع الدراماتيكي في سوريا وصمود إيران الأسطوري أمام الحصار المفروض من عشرات السنين دفع بالإدارة الأمريكية المنهكة باقتصادها المتدهور وبحروبها الفاشلة إلى مقاربات وفق مصالحها الاستراتيجية، وهنا التقط الأمريكان الفرصة في أن يفتتحوا علاقات مع إيران القوية والفاعلة في المنطقة والتي تحظى بحضور إقليمي ودولي فاعل..

فهنا جاء الغضب السعودي ولكنه ليس فقط من أجل إظهارالأمريكان رغبة في التفاهم مع الإيرانيين في ملفات في المنطقة وقد يكون لسبب خفي، وهو أن السعوديين لن يكونوا المصدر الأساسي للنفط بل إن النفط العراقي والإيراني سيكون في مجال التنافس مع السعودي وهنا يفقد السعوديون أوراق الضغط الوهمية.

غضب السعوديون إلى الدرجة التي رفضوا فيها مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن ورفعوا حججا لذلك..وعلى رأس الحجج موضوع فلسطين وكأنه ليس هم من قدم وثيقة التنازل عن أربع أخماس فلسطين.. لن يلتفت الأمريكان بعين الشفقة على عشيق رماه الحظ العاثر، وقد تجد المملكة متاعب كبيرة في الأيام القادمة بعد أن أسقط في يدها.

مقالات ذات صلة