-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فارسان.. ترجّلا

فارسان.. ترجّلا

احلولكت سماء وادي النيل، بضفتيه، المصرية والسودانية، فأغطش الحزن ليلها، وعتّم نهارها، لأن فارسين ترجلا على أرضها.

أما أولهما، فهو منظّر إسلامية المعرفة في الفكر العربي الإسلامي، الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني العراقي مولدا، العربي إيديولوجية، الإسلامي معرفة.

أما ثانيها فهو مهندس الحركة الإسلامية الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، السوداني مولدا، الموسوعي ثقافة، الإسلامي حركة.

أغمض الفارسان عينيهما، على واقع عربي إسلامي مر، قلَب حقائق ما كان المفكران يعملان من أجله، وهو أن يكون الفكر العربي عزيزا، وأن يسود دين الله في طهره وعدله، وصفائه، وأن ينعم الإنسان العربي والمسلم في كل مكان بطمأنينة النفس، وإبداع العقل، وشرف الحياة.

مات العلواني، والترابي –إذن- في يوم واحد جلل الحزن أرضه وسواده، من جاكرطا إلى طنجة، فوقف الخلق ينظرون جميعاً، أي فارس قد ترجل؟ وأي شعب قد ترمل؟ وأي مشروع حضاري قد توقف وتأجل؟

فالدكتور طه جابر العلواني، كان العقل المسكون بمقاومة التقليد والاتباع، والقلب النابض بنحت المعاني، وصياغة الإبداع، وأين كل هذا، مما يحدث في بلده الأصلي العراق، الذي مات يعاني من شدة حبه له، لوعة الفراق؟ ومات ودقات قلبه تزداد ارتفاعاً، من هول ما يعانيه بلده العراق، من قتل بين الرفاق، وتفجير دموي طائفي أعمى، يقطع الأرزاق، ويلوى الأعناق، ويسد النفس، والمذاق.

مات المفكر الإسلامي المعاصر، طه جابر العلواني غريباً، عن عراقه، الحزين، فلم تبكه في الموصل نائحة ولا في البصرة سائحة، وذلك بسبب ضياع المنزل وخراب الأسرة. مات الفقيد في حي الزمالك بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي، وفي مصر الكنانة، فزادت غربته، وذابت موتته، وسط انشغال شعبنا المصري الشقيق، بالكدح من أجل لقمته، والنضال المرير من أجل تجاوز محنته.

ولو أن مهندس إسلامية المعرفة، مات، عندنا بقسنطينة مثلاً، وهي عاصمة الثقافة العربية، بالجزائر الوفية، لغرسنا له أرض قبره، زهوراً، وأعشاباً خصيبة ندية، ولامتلأت المكتبات، والجامعات، بالشعارات الفكرية العربية الإسلامية، وفاء لهذا العقل الكبير، من مدينة العالم ابن باديس الأبية، في ذكرى اختتام عاصمة الثقافة العربية.

فلتهنأ روح العلواني، حيث دفنت، فالذي مات هو جسم الفقيد المادي، أما جهاده الفكري، وتنظيره العصري، فسيظلان، النبراس الذي يهتدي به المثقفون، والمنهاج الذي يستلهم منه المفكرون، حيثما كانوا، وحيثما سيكونون.

هذا –إذن- عن الفارس الأول، أما الفارس الثاني الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، فقد كان فارس العقيدة الإصلاحية، ومنظر الحركات الإسلامية، الذي مات واقفاً، في ساحة الميدان، يتأمل واقع أمته من بورما إلى تونس، مروراً بسوريا، واليمن، والعراق، وأفغانستان، وغيره، وكل يعيش المعاناة الدامية التي لا ترضي شقيقاً، ولا تسر صديقاً.

ولعل آخر ما توج به الدكتور حسن الترابي، سلسلة أعماله الذهبية على الصعيد المحلي في عِقد مشواره المضيء، جمعه على مائدة الحوار السوداني، كل فصائل العمل السياسي، لدفن المصالح والأحقاد، وغرس بدلها، شجرات التصالح، والحب، والإعداد، وقد نجح مشروعه التصالحي، في جلوس الجميع –منذ أسابيع- على طاولة الحوار، لتحديد محطات المشوار، وتحقيق مقاصد الشعب السوداني المغوار، وهذا ما جعل رئيس السوادن يبكيه، ويعزي نفسه فيه، كما أن هذا ما ميز جنازة الترابي بالحشد الهائل من السائرين أمام جثمانه، والمتمثل في الآلاف التي شيعته، بالدموع في الجفون، والحزن في الضلوع والذقون، إلى جانب الملايين في أنحاء العالم، التي ودعته عبر الشاشات بالعيون.

أما على الصعيد الإسلامي، فقد كانت آخر انجازاته، استقباله لوفد من بورما، المنكوب مسلموها، بالإقصاء والاضطهاد. جاء هؤلاء الإخوة في العقيدة، الذين لا يذكرهم المسلمون، إلا قليلاً، جاؤوا إلى الشيخ الترابي يطلبون منه النصح، لمواجهة محنتهم، وطريقة الحفاظ على شحنتهم، وسحنتهم، أمام عدو يحبس أنفاسهم، ويحاسبهم على معتقدهم وعلى فكرتهم.

وكان مما نصح به الفقيد، كخطبة الوداع لهم، أن لا تطرحوا قضيتكم على صعيد عقدي، أي كمسلمين، ولكن اطرحوها، كأقلية إنسانية، تعاني من الدوس على حقوق الإنسان، وضياع حق المواطنة في الأوطان، وأضاف الشيخ الترابي لأبناء بورما قائلاً: “إنكم بطرحكم القضية على أساس إنساني ، سوف تكسبون، ود كل الإنسانيين في العالم، وعندما تتمكنون من حقكم الإنساني، سيكون في ذلك ضمان لحقكم الإسلامي”.

هذه –إذن- عينات من مواقف الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، الذي فقدته الساحة العربية والإسلامية، والذي صادق رحيله وجود وفد من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في زيارة إلى السودان الشقيق بدعوة من هيئة علماء السودان.

ولقد كان المشهد الجنائزي، الذي انتظم في بيت الفقيد، تحت خيمة ضمّت المئات من المعزين، بعد أيام من دفنه، وجمعت كل أصناف المجتمع الإسلامي من داخل السودان وخارجه، وفيهم الوزراء، والسفراء،  والعلماء، والأدباء، لقد كان لهذا المشهد الجنائزي أبلغ الدروس، في الوفاء للعلماء، والتقدير  للجهاد والجهود التي يبذلها العاملون المخلصون في سبيل قضايا وطنهم، وأمنهم، ومعتقدهم.

من وحي هذه المعاني كلها، فعندما يترّجل فارسان في مستوى طه جابر العلواني، وحسن عبد الله الترابي، نشعر بزلزال فكري يحدث، وبمشروع حضاري يتوقف، ولكن عزاءنا في كل هذا، أن أمتنا المعطاءة الخصيبة، الولود، ستواصل إنتاج العباقرة والمبدعين، بشرط واحد، أن يعي كل واحد، حجمه ودوره، ووعيه وسعيه، لتعويض ما فقد، والوفاء بما عهد ووعد. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    الوحي هو القرآن وفقط وطبعا لا يخالف بعضه بعضا وكله يدلل على عدم قتل المرتد, اما ما يخالفه من احاديث فموضوعة وواضعها معروف غرضه واضح استباحة الاموال والاعراض والدماء وبسط السلطان

  • ابوحذيفة التقرتي

    سلم الله فيك يا عبد الحميد

  • ابوحذيفة التقرتي

    سلم الله فيك يا عبد الحميد و عشت حميدا

  • عادل

    السنة لا تخالف القرآن إلا عند أصحاب الفهم السقيم فكيف للوحي أن يخالف الوحي؟

  • بدون اسم

    السنة اذا خالفت القرآن لا يؤخذ بها

  • عبدالحميدالسلفي

    السلام عليكم,
    رحم الله كل مسلم موحد,
    أما الأول فلا أعرفه وأما الثاني فقد كشف هذا النعي حال الكاتب .فهما متآخين في الرضاعة ,وقد آن يوم الفطام, وجهان لعملة واحدة,تخالها ناذرة بله هي زائفة, وقد إجتمع عندهما هفوة المتعالم وكبوة الجواد قبل الترجل فيخال القارئ أن الأرض قد نقص طرفها وما أظنها إلا أنها إرتاحت,
    بالله عليك كيف لمحارب عقيدة العجائز أن يحزن لرحيله وقدشاق الله ورسوله من بعد أن تبين له الهدى ورام تجديدا في الدين وبالأحرى نهج غير سبيل المؤمنين.,
    أن الوان يا أستاذنا للرجوع لمنهج الأنبياء.

  • عبد البر

    (طبعا يجوز) ... الله اكبر .كبرت كلمة تخرج منفيك

  • عادل

    هل الوسطية عندكم هي إنكار الثوابت التي جاءت في القرآن و السنة و إجماع سلف الأمة ؟
    تبا للصحوة و الوسطية التي تدعونها

  • عادل

    أستسمحك عذرا و لكنك لم تفهم شيئا مما كتب

  • عادل

    إن كنت مسلما فأنت تعلم أن مصادر التشريع هي القرآن و السنة و قد ثبت حد المرتد في السنة الصحيحة

  • عادل

    فاقد الشيء لا يعطيه

  • محمد

    ادعم ذالك بارك الله فيك

  • ابو خالد

    فيا عجا للمعلقين ليس هناك من يقدم كلمة شكر للكاتب بالرغم من جراح المسلمين في الجزائر وخارجها , فشكرا للكاتب على مقاله وإجتهاده وتذكيرنا برجلين تربى على فكرهما أبناء الصحوة في الجزائر وغيرها ويكفي الراحلين فضلا أنهما ينتسبان للفكر المعتدل الوسط فكر المسلمين وعنوانهم في كل أنحاء المعمورة , فيا أيها الجزائريون من لا يشكر الناس لا يشكر الله

  • بدون اسم

    تكفير التكفير هذا هو حالكم

  • بدون اسم

    اصلا هاته الجمعية ليس لها معرفة ولو تعرف السبب الذي انشئت له تمسك رأسك حيرة وتحسرا

  • بدون اسم

    طبعا يجوز وماذا نفعل بمسلم اجبر على الاسلام فصار كافر منافق بوجه مسلم , حكم الردة بقتل المرتد ليس من الاسلام ولم يثبت في القرآن

  • عبدالقادر: بكفينا من تقزيم الرجال يا جهال

    ياحذيفة لوكان لك مستوى لكنت نجحت في مسارك الدراسي الديني اوالدنيوي ولسمعنا بك طبيبا اوعالما..وكل مايراه ليس بدعة لكن علماءاجلاء كالإمامين رحمهما الله عبدالحميد بن باديس والابراهيمي مبتدعين وماقاموا به من عمل بدعة.صدق من قال اذالم تستحي فقل ماشئت.الا اسمع مني هذا:" ماتقوله انت وامثالك من المتفيقهين من يقرؤون كلمات لفلان اوعلان من بلادالمشرق العربي يرى نفسه مفكر وامام ومفتي الديار ويحكم على غيره بالتكفير والبدعة..وهو لايفرق من كعه من بعه.وَبَعضُ الداءِ مُلتَمَسٌ شِفاهُ*.

  • محمد

    هل يجوز الثناء على من انكر احاديث صحاح؟
    هدهكم الله,
    هل هذا عالم؟ غريب

  • عبد الله

    يا شروق طولتوا علينا أين الشيخ فركوس
    يا قسوم أنت و جمعيتك مخترقين من الإخوان و ربما حتى الروافض
    أما الترابي الذي هو على شاكلتكم مجروح من طرف العلماء الكبار السلفيين فلا تغطوا الشمس بالغربال

  • المسعدي

    نحسب ان الشيخ قسوم قد وفي في نعيه للعالمين شعورا منه لفقدانهما والامة احوج ماتكون لسند العلماء وكلاهما له اثره ومنه فالتطاول على الدكتور عمل من السخافات التي طفت على الساحة وترتب عنها نزع البركة وقلة الحياء رب يجيب الخير

  • محمد العربي

    بوركت استاذنا

  • قارئ

    نسيت جورج طرابيشي يا أستاذ قسوم

  • fatouma

    ان الفارسين اللدين تتكلم عليهما بعىدان كل البعد عن الثقافة الاصيلة للشعب الجزائري الامازيغي...فثقافة عنترة..وابي نواس..و و و هي ثقافة الجزيرة العربية وهى اصبحت في خبر كان بانسبة للجيل الجديد..اريد ان افهم لمادا لاتكتب عن ثقافة منطقتك الجزائر...ام انت قدمت ن الجزيرة

  • hocheimalhachemi

    الشيخ عبد الزاق قسوم حفظه الله يتكلم عن الأحياء اذين وان ماتوا فبأعمالهم وما قدموه للمجتمع ، فهم أحياء فيي القلوب والمجتمع !!
    أما الدروس فتعطا للنجبا ء وللمتعطشين للعلم والمعرفة الذين يقبلون على العلم كاقبال الضمئان على منبع الماء !!
    وليس للموتى وهم على قيد الحياة ! يجرون وراء الشهادة ،والغاية تبرر الوساطة ، ليرتقي للحضارة والحداثة !!والله الله على زماننا وتبا تبا لزمانكم ؟؟
    انا لاأعفك ولا أعرفه قولة " حق " لله لاغير" ربنا لاتواخذنا بما فعل السفهاء منا ؟

  • ابوحذيفة التقرتي

    فاقد الشئ لا يعطيه عن اي دروس تريد و قد ارتمت الجمعية في احضان المتصوفة و القبوريين فهم يرون ان لا خلاف بين عقيدة الجمعية السلفية الاثرية و عقيدة المتصوفة فالخلاف كان نتاجا لقصور فهم الشيخين ابن باديس و الابراهيمي لهاته البدع التى كان الاولى الاتفاق معها في ما نتفق و نعذرهم فيما اختلف فيه و لو كان اصل الاصول .

  • كمال - سكيكدة -

    أدعو و أنادي فارس الجزائر - جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- أن تتحرك ضد
    رعمون بن غبريط لانقاذ النشئ و الشباب الجزائري......
    كونوا خير خلف لمن قال ذات يوم :
    شعب الجزائر مسلم و الى العروبة ينتسب

  • عادل

    الطيور على أشكالها تقع

  • فريدة

    إن الفرسان كان لزاما عليهم أن يترجلوا في هذه الدنيا حتى لا تعثر قدمهم بعثر بغلة في بغداد و لكي تحلق أرواحهم بعيدا في عقول الناس من بعد رحيلهم
    ملاحظة : على الكاتب أن لا يشعل فتيل في النفوس بعد توضيفه بذكر هؤلاء فقسنطينة لم نرى منها شيئا جميلا و لا نراه يمكن أن يكون حكرا على غيرنا

  • بودية

    نريد نشاطات الجمعية في الجزائر وليس السياحة في الخارج، لقد كان ابن باديس رحمه الله يلقي عشر 10 دروس يوميا لطلبته في الجامع الأخضر .

  • عبد البر

    قال حسن الترابي مؤكدا مسعاه الدائم للمقاربة بين الاديان : انه في اطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي ان يبدل دينه . هذا هو التجديد عند الترابي .نترك التعليق لكاتب المقال.