-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فتح مكّة.. قوة الحقّ وسماحة أهله

سلطان بركاني
  • 604
  • 0
فتح مكّة.. قوة الحقّ وسماحة أهله

نقضت قريش عهدها الذي أبرمته مع المسلمين في صلح الحديبية (06هـ)، وأعانت حلفاءها من بني بكر وأمدّتهم بالمال والسّلاح والرّجال، فهاجموا قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، وقتلوا أكثر من 20 رجلا من رجالها، فجاء بنو خزاعة يستنصرون المسلمين، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب”، وأرسل إلى قريش يخيّرها بين دفع الديات أو الحرب، فرفضت قريش البراءة ممّا فعل بنو بكر وأبت دفع الديات، فبدأ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بالتجهّز لغزو قريش في عقر دارها، خاصّة أنّ الظّروف كلّها كانت في صالح المسلمين، بعد أن أدّبوا يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وكسروا شوكة يهود خيبر.

خرج المسلمون وعددهم 10 آلاف، قاصدين مكة المكرّمة في العاشر من رمضان 08هـ، وساروا حتى كانوا على تخومها، ووضع النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم- خطّة محكمة لدخول مكّة بأقلّ الخسائر الممكنة، وأرسل إلى قريش يستأمن من أراد الأمان لنفسه، وقال: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن”، ودخلت قوات المسلمين مكة من جهاتها الأربع.. فوجئ المشركون بالخطّة، ولم يمكنهم الوقوف في وجه الفاتحين، باستثناء بعض المناوشات التي كانت في الجهة التي دخل منها خالد بن الوليد رضي الله عنه.

دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مكة خاشعا خاضعا لله، مطأطئا رأسه شاكرا ربّه الذي صدقه وعْده، وفتح له أحبّ البلاد إلى قلبه، وسار حتى أتى الكعبة فطاف بها، وحولها 360 صنمٍ، فجعل يطعنها بقوس في يده فتخرّ أرضا، وهو يقول: ((جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)) ((جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد))، ثمّ أمر بلالاً فرقى الكعبة وأذّن للصّلاة بنداء الحقّ “الله أكبر”، ودوّى صوت بلال من فوق الكعبة في أرجاء مكّة، وهو الذي كان يئنّ تحت سياط الجلادين قائلا: “أحد، أحد”.

اجتمعت قريش قرب الكعبة تنتظر حكم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيها بعد سنوات الحرب والمطاردة والكيد، فقال عليه الصّلاة والسّلام: “ما تظنّون أنّي فاعل بكم؟” قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ، فقال: ((لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ))، وأصدر عفوا شاملا عن قريش إلا بضعة عشر رجلا أمر بقتلهم، لأنّ جرائمهم في حق الله ورسوله ودينه كانت أعظم من أن تغتفر، ولأنّهم لا يؤمن جانبهم في إثارة الفتنة بين الناس بعد ذلك.

أسلم أهل مكة لِما رأوا من سماحة هذا الدّين وعظمته، وتواضع رسوله –عليه الصّلاة والسّلام- وسموّ خلقه، وأصبحت مكّة جزءًا من ديار الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا.

انتصر المسلمون في شهر الصّبر واليقين، وعاد المهاجرون إلى مكّة فاتحين، بعد أن خرجوا منها مطاردين، وفرح الأنصار بالفتح المبين، ولكنّهم في الوقت نفسه حزنوا لأنّهم ظنّوا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- سيستقرّ به المقام في البلد الأمين، ولن يعود معهم إلى المدينة حتى يأتيه اليقين، فطمأنهم قائلا: “كلاّ، إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم”.. فأقبلوا إليه يبكون من الفرح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!