الرأي

فتنة التّشكيك في وقت صلاة الفجر!

سلطان بركاني
  • 7507
  • 14

مع إدبار فصل الشّتاء وحلول فصل الرّبيع من كلّ عام، تطفو إلى السّطح ظاهرة تعمّد بعض الشّباب إعادة صلاة الفجر بعد أدائها جماعة في المساجد، بحجّة أنّ الأذان الثاني يرفع قبل الوقت الشّرعي، وقبل إقامة الجماعة بما لا يقلّ عن 10 دقائق! والوقت الشّرعيّ في اعتبارهم يحدّد بالرؤية البصرية، اعتمادا على قول الحقّ سبحانه: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر)).

لو كان هؤلاء الشّباب يعيدون الصّلاة في بيوتهم، لربّما هان الأمر، لكنّ واقع الأمر أنّ كثيرا منهم يعيدون الصّلاة في المساجد، ما يثير استهجان وتساؤل عامّة المصلّين الذين لا يستسيغون هذا الفعل الذي يُفهم منهم التّشكيك في صحّة صلاة عامّة المسلمين، في مسألة أقصى ما يقال عنها إنّها من مسائل الاجتهاد التي يفترض أن يلزم فيها النّاس ما عليه الإمام والجماعة، لكنّ الولع بإظهار الخلاف، حمل هؤلاء الشّباب على التعصّب لرأي يُطرح على أنّه الحقّ الذي ليس بعده إلا الباطل، على الرّغم من أنّ هدي النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – دلّ على أنّ الأمر في وقت صلاة الفجر واسع، وأنّ لها وقتَ عزيمة يبدأ بالغلس، ووقت رخصة يبدأ بالإسفار، وغالب هديه –عليه الصّلاة والسّلام- في هذه الصّلاة أن يبدأها بالتغليس ويطيل القراءة ويخرج منها بالإسفار، وربّما خرج بغلس، وقد روت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّه “كان يصلي الصبح بغلس، فتنصرف نساء المؤمنين لا يُعرفن من الغلس، أو لا يعرف بعضهن بعضا” (البخاري)، وروت قيلة بنت مخرمة أنها “قدمت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالناس صلاة الغداة، وقد أقيمت حين انشق الفجر، والنجوم شابكة في السماء، والرجال لا تكاد تتعارف مع ظلمة الليل” (رواه أحمد)..

بل قد حصل أنّ بعض الصّحابة شكّوا في أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى الفجر قبل وقتها، لما رأوا من مبادرته بها، فعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: “ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاةً لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر قبل ميقاتها” (رواه الشّيخان).. وهكذا كان الصّحابة –رضي الله عنهم- يبكّرون بصلاة الفجر ويوصي بعضهم بعضا بذلك، وقد ورد في كتاب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: “وصلّوا الصبح بغلس أو بسواد وأطيلوا القراءة” (رواه البيهقي).. ولأنّ الدّخول في صلاة الفجر بغلس، كان غالب هدي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وهدي أصحابه، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ الأفضل في صلاة الفجر التغليس، وحملوا أحاديث الإسفار على أن المراد بها إطالة القراءة حتى يخرج من الصلاة مسفرا.

هذه الأحاديث والآثار، وغيرها كثير، تدلّ على أنّ المبادرة بصلاة الصّبح في وقت الغلس (آخر ساعات اللّيل) عمل صحيح.. والاعتماد على الحساب الفلكيّ لتحديد هذا الوقت، عمل مشروع، ودقيق في زماننا، بخلاف الرؤية البصريّة التي تتأثّر بإضاءة المكان ومدى صفاء الجوّ وبالعوائق.. أضف إلى هذا أنّ تحديد وقت الفجر اعتمادا على وضع الشّمس تحت الأفق، هو من وضع علماء الفلك المسلمين، كالبتاني والبيروني والخوارزمي والطوسي وابن الشاطر، ويقدّر علماء الفلك أنّ أولى خيوط الفجر الصّادق تظهر عندما تكون الشّمس تحت الأفق بزاوية مقدارها 18 درجة، وإن كان هناك خلاف حول هذه الزّاوية، إلا أنّها الأكثر اعتمادا ورجحانا، وقد ألّف عالم الفلك المغربي السيد الحاج محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرازق، رسالة عنوانها “إيضاح القول الحقّ في مقدار انحطاط الشّمس وقت طلوع الفجر وغروب الشّفق”، أثبت فيها أنّ زاوية الفجر هي الزّاوية 18 درجة التي تعتمدها جلّ الدّول الإسلامية، وبينها الجزائر، بينما تعتمد دول أخرى زوايا أكبر؛ فالسعودية مثلا تعتمد الزّاوية 18.5، والمغرب تعتمد الزّاوية 19، ومصر تعتمد الزّاوية 19.5 درجة.

مقالات ذات صلة