الرأي

فرنسا “الشوطانية”

عمار يزلي
  • 791
  • 5

الأعمال “الشوطانية” الفرنسية في الجزائر ضد اللغة العربية والدين الإسلامي وتراثها اللامادي الأصيل، لم تنقطع إلى اليوم: بدأ منذ الاحتلال وزاد بعد احتفالها بالذكرى المئوية للاحتلال، لاسيما بعد ظهور جمعية العلماء؛ إذ لم تمض سنتان على تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حتى كانت أولى بوادر الإزعاج للسلطة قد بدأت تلوح في الأفق، لاسيما بعد تنصيب الشيخ الطيب العقبي إماما لمسجد العاصمة ورئيسا لنادي الترقي. هذا البروز القوي لجمعية العلماء المسلمين، وانتشارها الواسع والسريع في الأوساط المدنية والريفية، في الوقت الذي كان يتنامى فيه من جهة أخرى المد الوطني الاستقلالي مع “مسهلي الحاج”، سوف يدفع الجهاز الإداري الفرنسي إلى محاولة إفشال هذا التحرك “الديني”، كما كان يراه، بتحريك ديني مواز وذلك بإنشائه لآلة “جمعية علماء السنة” سنة 1932 والضغط على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خاصة في المدارس الحرة التي تسيرها؛ فقد أقدمت سنة 1933 على غلق العديد من المدارس الحرة في كل من تلمسان، وسيق، وسيدي بلعباس، وطرد معلميها. وقد انتهت هذه العملية بمظاهرات تنديد أعقبتها مظاهرة ضخمة بالعاصمة بين 24 فبراير و3 مارس 1933، احتجاجا على منع الشيخ الطيب العقبي من إلقاء دروسه في الجامع الجديد .

هذا التحرك الشعبي، ورد فعل السلطة الاستعمارية، لم يُبق جماعة النخبة غير مبالين بما يحدث؛ إذ سيتحرك وفدٌ من النواب باتجاه باريس لطلب مقابلة وزير الداخلية “Chotin”، المعروف بمواقفه “الشوطانية” على حد تعبير الشيخ الإبراهيمي، ضد اللغة العربية والمدارس الحرة، غير أن هذا الأخير يرفض مقابلة الوفد، والذي سيُرغَم على العودة خائبا ليكتفي الحاكمُ العام باستقباله، بيد أنَّ ردَّ فعل الشعب كان حاسما: “.. فاقوا.. فاقوا..”. هكذا وبهذا الهُتاف قوبل الوفدُ العائد بالخيبة.

من خلال هذا الموقف المزدوج: موقف الحكومة الفرنسية الرافضة لسماع المطالب الجزائرية، وموقف الشعب الساخر من سياسة الوهم المتَّبعة من طرف جماعة النواب، لم يكن بمقدور النواب غير تجذير موقفهم السياسي وإعلان الاستقالة الجماعية.

بدأ أعضاءُ الوفد بتقديم استقالتهم، مطالبين زملاءهم بأخذ نفس المبادرة. وفي الثالث من جويلية 1933، كان نحو 1600 نائبٍ يقدِّمون استقالتهم من مناصبهم في ولاية قسنطينة، ونحو 100 في الجزائر ومليانة ووهران.

هذا الموقف، هزّ الحكومة المحلية، فسارع الحاكم العامّ “كارد” إلى تقديم وعود بتحسين الوضع الاجتماعي للجزائريين، وإعادة فتح المساجد، والسماح بحرية التعليم العربي، وإلغاء قرار المنع ضدّ الشيخ الطيب العقبي… وعود أخذها النواب على محمل الجد، فسارعوا إلى سحب استقالاتهم، ليُفاجَأوا يوم 24  فبراير 1934، بتعيين “لجنة إصلاح” من قبل الحاكم العامّ، والتي خرجت، بعد “التحقيق”، بتوصيات ألعن ومنها تأييد قرار غلق المساجد في وجه الوعاظ غير المرخَّص لهم، ومراقبة “الصَّحافة التخريبية الأهلية” على حدِّ قولهم، ومنع دخول صحفهم المعرَّبة والمفرنسة على حد سواء، كما أوصت بمراقبة مؤسسات التعليم العربي.

هذا الردّ، قابله ردٌّ آخر، هذه المرة ليس فقط من الحركة الإصلاحية، بل أيضا من “النواب الاندماجيين” الذين شعروا بالإهانة، فتحركوا باتجاه عقد المؤتمر الإسلامي سنة 1936.

هكذا كانت فرنسا وهكذا ستبقى: غلق المساجد الآن في فرنسا، التحريض على كل ما يمتُّ بصلة إلى الهوية الإسلامية والعربية، التضييق والحل والعزل والغلق… غير أن رد الفعل كان دائما بعكس ما تشتهيه سفن الأعمال “الشوطانية” المستمرة.

مقالات ذات صلة