-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فضل من العزيز الغفّار وليس من”أنزار”

سلطان بركاني
  • 1017
  • 1
فضل من العزيز الغفّار وليس من”أنزار”
ح.م

 في الأسابيع والأشهر الماضية، كان الهمّ الأكبر للجزائريين هو همّ الجفاف الذي حلّ بالبلد، وقد كان لافتا كيف يئس كثير من المتعجّلين من أن تأتي صلاة الاستسقاء بنتيجة، وسخر بعضهم من توقيتها وجدواها، ووصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بالكفّ عنها وعدم إقامتها لأنّها تأتي بنتيجة عكسية! بينما اتّجه بعض الجاهلين إلى بدائل أخرى، فأحييت الزردات والوعدات في بعض المناطق، وأقيمت النّشرات، واستغاث بعض من أخذهم الحنين إلى الجاهلية بأنزار إله المطر المزعوم!

لقد كان بلاءً تبيّن من خلاله مدى بعد كثير منّا عن فهم الدّين وفهم سنن الله في خلقه، وإلا كيف يغيب عن الأذهان والأفهام أنّ الخلل ليس في صلاة الاستسقاء، إنّما فيمن يصلّيها؛ فهذه الصّلاة هي السّبب المشروع لاستنزال الغيث واستمطار رحمة الله، لكنّها يفترض أن يتهيّأ لها النّاس ويقدّموا بين يديها أعمالا صالحة ترفع عنهم غضب الله وسخطه، في مقدّمتها التوبة الصّادقة من كبائر الذّنوب وصغائرها، وردّ المظالم، وأداء الحقوق إلى أصحابها، وإخراج الزّكاة عن طيب نفسها وإعطاؤها مستحقّيها.

هنا قد يقول قائل: لكنّ المطر ينزل على بلاد الكفّار مدرارا، من دون أن يحتاجوا إلى صلاة استسقاء ولا حتّى إلى إيمان بالله! فيقال: الغيث من رزق الله الذي يعطيه من يكره كما يعطيه من يحبّ، وقد يُنزل الرزّاق –سبحانه- غيثه على من يشرك به ويسبّه وعلى من يجحده، فتنة واستدراجا، ويمنعه عمّن يؤمن به متى ما ابتعد قليلا أو كثيرا عن الصّراط الذي رسمه له، لأنّ الحنّان –سبحانه- لا يحبّ لقلب عبده المؤمن أن يتعلّق بالدّنيا وبالشّهوات وينسى الآخرة والصّالحات، وقد يبتلي الله عباده المسلمين بالقحط، فيذهلوا عن التوبة والاستغفار إلى أسباب أخرى تزيدهم بعدا عن الله، فينزل الله عليهم مطر بلاء ليمتّعهم إلى حين، بينما يكون مطر رحمة وبركة إن هم عادوا إلى مولاهم واستغفروه: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون)).

التّوبة الصّادقة أهمّ سبب لاستنزال غيث الرّحمة، وقد أحسن من قال: “ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة”؛ هذه الحقيقة التي أذهلتنا عنها المادية المعاصرة، حتى ما عاد يلتفت إليها إلا قليل من المسلمين، مع أنّ آيات القرآن تنطق بها صريحة واضحة؛ فالمطر قد يحبس عن الكلّ بسبب ما يفعله البعض، كيف لو تواطأ الكلّ على معصية الله وأصبحوا لا يتناهون عن منكر فعلوه؟!

ذكر ابن قدامة في كتابه “التوابين” أنّ بني إسرائيل أصابهم قحط على عهد موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا كليم الله ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفاً أو يزيدون، فقال موسى عليه السلام: إلهي اسقنا غيثك وانشرعلينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع، فما زادت السماء إلا تقشعاً والشمس إلا حرارة، فقال موسى: إلهي اسقنا. فقال الله: كيف أسقيكم، وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة، فنادِ في الناس حتى يخرج من بين أظهركم فبه منعتكم، فصاح موسى في قومه: يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة، اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر، فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً خرج فعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم مُنعوا لأجلي، فانكسرت نفسه ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله وقال: إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني، وقد أتيتك طائعاً فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى خالقه، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب، فعجب موسى وقال: إلهي سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد.فقال الله: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم.فقال موسى: إلهي أرني هذا العبد الطائع. فقال: يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني؟

ومن الأعمال الصالحة التي يستنزل بها الغيث ويدفع الوباء والبلاء، كثرة الاستغفار.. يقول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون))، ويقول –سبحانه- حكاية لقول نبيّه نوح عليه السّلام عن قومه: ((ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا))، ويقول سبحانه حكاية لقول نبيّه هود عليه السّلام لقومه: ((وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِين))، ويقول نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام: “منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِب”.

ومن الأعمال الصّالحة التي يستنزل بها الغيث ويدفع البلاء، إطعام الطّعام وبذل الصّدقات للفقراء والمساكين وأهل الحاجات، وأهل الحاجات، حاجاتهم ليست في الطّعام فحسب، بل قد تكون حاجتهم إلى الدّواء أعظم وأكثر.. كم بيننا من المرضى الذين لا يستطيعون شراء الأدوية؟ وكم بيننا من الفقراء الذين أثقلتهم الديون عند الصيدليات وعند المحلاّت؟ وكم بيننا من المرضى الذين يطرقون أبواب المساجد يرجون إعانة إخوانهم لإجراء العمليات؟… بإعانة مثل هؤلاء ينزل الغيث بإذن الله ويدفع الوباء والبلاء؟ فدعاؤهم هو الأقرب إلى الله. أ لم يقل النبيّ صلّى الله عليه وآلهوسلّم: “هَل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاّبِضُعَفَائِكُمْ”؟ ألم يقل عليه الصّلاة والسّلام أيضا: “رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه”؟

ومن الأسباب الجالبة للخير المانعة للعقوبة، حسن الظنّ بالحنّان الكريم، الذي يبتلي عباده بالضرّاء تارة، وبالسرّاء أخرى، لينظر هل يشكرون أم يكفرون: ((اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)).. كما رأينا بلاء الله في الأشهر والأسابيع الماضية، ها نحن هذه الأيام نرى في بعض مناطق بلدنا الحبيب رحمة ربّنا الكريم، وكلّنا يقينبأنّ الغيث النّازل هو فضل من الله، أولا، ورحمة بالأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتّع، ثانيا، وإجابة لدعوات الفقراء الصّابرين والأخفياء الصّالحين بيننا، ثالثا، فلا ينبغي لأحد أن يقول إنّ الغيث نزل بدعائي أو بعملي، لأنّ الأمر كلّه لله، وهو العليم سبحانه بالنّوايا والأحوال.. فضلا عن أن يقول مفتون إنّ الغيث نزل بفضل الزّردات والوعدات أو بكرم من أنزار إله المطر!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة

    يا سيد بركاني لان العرب والاعراب والعربان منافقون خونة كذابون اشرون بكل بساطة يقتلون بعضهم ويدمرون بلدانهم باسم دين الله عز وجل الاسلام دين الرحمة والاحسان والعدل والانسانية وهو براء منهم .
    قال تعالي -الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله صدق الله العظيم
    الله تعالي امر الاعراب والعربان والعرب بان يقوموا باسترجاع القدس العربي الشريف ثالث الحرمين واولي القبلتين ومسري رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصهاينة المحتلين حتي يرضي عنهم ويرسل السماء عليهم مدرارا هذا هو الشرط الوحيد يا بركاني الجميل