-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فن “الموت” !

فن “الموت” !

لا يمكن أن نسمّي ما يحدث في الطرقات، التي تحصي آلاف الضحايا، وفي الشواطئ التي تحولت إلى مقبرة المصطافين، بلفظ آخر، غير الانتحار.. فقد عرفنا، منذ زمن بعيد، أن قيادة السيارة هي فن السياقة، بكل ما تحمله كلمة فن من عبق ورومانسية وروح، وعرفنا أن مداعبة مياه البحر، هي فن أو رياضة السباحة، بكل ما تمنحه الرياضة من عقل سليم في جسم سباح سليم، وما عدا ذلك، فهو تهوّر، بل دعونا نعترف بأنه انتحار.
لم يعد بمقدورك، إن كنت من أصحاب القلوب الرهيفة، أن تصمد ساعة من الزمن أمام أي قناة تلفزيونية جزائرية، قبل أن تصعقك بعواجلها الحمراء، وهي تطعنك بخبر عن مجزرة مرورية في مدينة جزائرية ما، والطامة الكبرى أن بعض هذه الحوادث تودي بحياة كل من في تلك المركبة أو المركبات، حتى إنك تشعر بأن الأمر لم يكن حادثا، عابرا أو زلة سياقة أو غفوة سائق، وإنما عملية انتحارية مع سبق الإصرار والترصد، أنهى بها السائق حياته وحياة من معه، حتى لا يبقيهم معوقين طوال العمر، وهو دليل على أن مرتكب المأساة، جمع كل أسباب المصيبة، ولم يترك للنجاة أي فرصة، من سرعة ومناورة خطيرة وفقدان للتركيز والعقل، وساعدته الطريق المهترئة أو غياب الحواجز الجانبية، لإكمال رسم اللوحة داكنة السواد.
بإمكان الجزائري في العالم القرية الحالي، أن يطلّ من شرفة أي منصة إلكترونية للبحث عن إحصاءات حوادث المرور في العالم، وبإمكانه تجاهل البلدان الفقيرة التي لا يمتلك أهلها السيارات بالشكل المكثف، وسيرى أن ما يجري في بلادنا من حوادث مميتة قد تجاوز كل الحدود، والذي أطلق على ما يحدث بإرهاب الطرقات، لم يخطئ، لو أضاف فقط لإرهاب الطرقات، السائقين، ومن منحهم جواز السياقة.
وانتقل فن “الموت” إلى رياضة “الموت”، عبر الشواطئ، وعندما نعلم بأن مصالح الحماية المدنية، قد تدخلت في أربعين ألف مناسبة لإنقاذ سباحين وسباحات كانوا في حالة قريبة من الغرق، في الصيف الحالي فقط، ونعلم بأن عدد الغرقى في كل المعمورة خلال السنة الواحدة لا يزيد عن مائتي ألف، بمن فيهم الذين يغرقون في السفن والعبّارات العائمة، ندرك أننا في حالة خطيرة، تستوجب ثورة خاصة، ولو بسحب جوازات السياقة من الناس، ومنعهم نهائيا من السباحة في البحر وفي مختلف المسطحات المائية بما فيها المسابح السياحية التي صارت تلتهم مرتاديها.
نشعر أحيانا بأنه كلما تضاعفت الحملات التحسيسية، والمنذرة من مخاطر الحرائق والغرق وتعاطي الممنوعات وحوادث المرور، ارتفعت أرقام ضحاياها، وهو ما يجعلنا مدعوين إلى تغيير الاستراتيجية، بالاستنجاد بكفاءات مختلفة، تفعل أكثر مما تقول وتعطي أكثر مما تأخذ، وتقبل المحاسبة بعد انتهاء عملها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!