-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فهرسة الأفكار.. فنّ قصّرنا في تحقيقـه وتعليمه

حسن خليفة
  • 400
  • 0
فهرسة الأفكار.. فنّ قصّرنا في تحقيقـه وتعليمه

لفت نظري عنوان كتاب صدر قبل مدة قصيرة وهـو..” الدليل المفهرَس لأفكار مالك بن نبـي” للأستاذ سليـمان طيّار، وقدم له الأستاذ الدكتور نذير طيار الكاتب والأكاديمي الرياضياتي والمترجم المعروف.

اللافت للنظر هو هذه التقنيـة العقلية (إن صحّ التعبير) والتي تعمـل على تحويل أفكار هذا المفكر الكبير إلى أطروحات فكرية متكاملة في شكل “أفكار” أو “رؤوس موضوعات ” أو فلنقـل تحويلـها إلى “فوائد منتقاة” بصـياغة تتيـح، في أقل تقدير، القدرة علـى الاطلاع على مجمـل أفكار مالك بن نبـي (أو أيّ كاتب أو مفكر آخر غيره)… فيحيط القارئ بأهم ما يجب أن يحيط به وتكون الفائدة حينئذ مضاعفة: الإحاطة بمضمون الكتاب، ومعرفة أهم أفكار الكتاب والكاتب.

الجميـل أن هذه الفهرسة ستســمح بمسـح لمجمل الأفكار، مع تنظيم وترتيب وتصنيف، وكل ذلك سيفيد القارئ أيما إفادة، فينتفع بالكتاب الذي يقرأ، انتفاعا مضاعفا، بل يعينه ذلك على التذكّر بشكل أفضل وأقوى، مما لم تكن ثمة فهرسة وهندسة فكرية للأفكاروتنظيمها.

والواقع يشير إلى أن حياتنا الثقافية والفكرية، خاصة في مجال التأليـف والكتابة، تخلـو من مثل هذه التقنـيات التي تعـد وسائل تعزيـز وتقوية وترســـيخ للأطروحات والأفكار والرؤى، يعمل بها الكثيرون من الكتّاب والمؤلفين والدارسيـن في العالم العربي، ولا نتحدث عن العالم الغربي ؛ فقد ذهبـوا بعيدا في هذا المجال.

إن بعضا من تلك التقنيات تُعتمد كوسائل لتعزيز المعارف، في بعض الجامعات من خلال طرحها كصيغة من صيـغ الاختبارات. وللأسف يبدو أننا أبعد ما نكـون عن هذا، كما أننا أبعد ما نكون عن بعض ما اجتهد المجتهدون وسعى الساعـون إلى “تبثبـيته” في نظامنا الثقافي والعلمي والأكاديمي: كالتفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، والذكاءات المتعددة، وفنون القراءة، وسرعة القراءة (*) إلخ. والحديث ذو شـجون في هذا الشأن قد نعود إلى بعضه متـى أُتيحت الفرصة.

المهمّ أن ثمة الكثيـر من التقنـيات التي تقود إلى إكساب القرّاء والقارئات، وأيضا طلبة العلم (في كل الفنون والمعارف والاختصاصات).. إكسابهم “مهارات” متقدمة، تصقل عقولهم وترتب فكرهـم وتوسّع آفاقهم بشكل غير معهود، وتعينـهم على الاحتفاظ بقدر أوفى من الأفكار والمحتويات والمضامين والتلاخيص لما قرأوه هنا أو هناك، من الكتب والمطبوعات، والمراجع … ومن تلك المهارات:

1-   التلخيص بأنواعه (المختصرـ المركز ـ الموسّع ..إلخ) وهو تقنية تحريرية غاية في الأهمية ينبغي أن يتدرّب عليها، خاصة طلبة/ت الجامعات، والقرّاء بأنواعهم، لترسخ لديهم “المعارف”.

وفوائد التلخيص كثيرة متنوعـة منها بالمختصر المفيد: ربح الجهـد والوقت، التدرّب على ترتيب وتنظيم الأفكار، التدرّب على السرعة والدقة والاتقان، القدرة على فهم مقاصد الكاتب وغاياته..

2-   رؤوس الأقلام: وهي أيضا تقنية كتابية (تحريرية) مهمة يكتسب من خلال القارئ(ة) وطالب العلم فنّا جميلا يتمثل في قدرته على وضع رؤوس أقلام تسمح له بتشكيل عناصر أي موضوع، على النحو الذي يريد الإفادة منه. وبالنسبة لقراءة الكتب رؤوس الأقلام تمثل تلخيصات مختصرة مركزة لأهم ما ورد في الكتاب، بتعبيرالقاريء وصياغاته، وسيسمح له ذلك بفتح أفق مهم في توليد الأفكار، وتسجيل الملاحظات ذات الصلة.

يحتاج الأمر في التقنيتين السابقتين التعلـم الواعي الذكي، ولكن يحـتاج أكثر إلى التمرّن والتدرّب والتكرار حتـى تستقيم هذه الصيغة وتُسلـم له القياد.وما أحوجنا إلى تعليم وتدريب طلابنا على مثل هذه المهارات (التواصلية) في مجالات: القراءة، الكتابة، الاستماع (إذ التلخيص له أيضا علاقة بالاستماع إلى المحاضرات والدروس، والتقاط ما يجب وتسجيله وتلخيصه). والطالب الذكي هو من يستطيع أن يصـنع ذلك باقتدار وسهولة ومرونة، فلا تفوتـه معلومة في المحاضرة ـ الدرس الذي يلقيه أستاذه.

وإلى حين استواء بيئتنا لتطبيق هذه التقنيات والمهارات، هذا مثال حيّ عن شيء قريب من فهرسة الأفكار، وأقرّ هنا أن من بين الدكاترة الذين اشتغلوا ـ بأنفسهم ـ في هذا الحقل (التلخيص وفهرسة الأفكار) الأستاذ الكاتب اللغوي المربي الكبير الدكتور عبد الكريم بكّار؛ حيث يعمد في الغالب غلى جعل الصفحات الأخيرة من كتبـه في هذا الشكل ويسميـه (فوائـد منتقاة) أو بأي اسم آخر، يلخص فيه الكتاب تلخيصا بديعا، بتقييد كل الأفكار التي وردت فيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!