-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فوضى الدراسات العليا في المدارس العليا

فوضى الدراسات العليا في المدارس العليا

ليست المرة الأولى التي تثار فيها قضية الدراسات العليا في المدارس العليا للأساتذة. فعندما دخلت الجامعات النظام الجديد المعروف باسم “ل. م. د.” منذ نحو 10 سنوات، كانت المدارس العليا قد تبنت قبل ذلك التاريخ ببضع سنين نظاما سنويا جديدا أثبت إلى حد ما جدواه. وإلى حد الآن، لا يزال ساري المفعول رغم أنه أصبح يحتاج إلى المراجعات، لا سيما بعد إصلاحات المنظومة التربوية التي دخلت حيز التنفيذ منذ بداية هذا القرن، ولم تراعِها مناهج المدارس العليا آنذاك في تكوين طلبتها.

مهزلة كاملة الأوصاف

كان النظام السائد في الجزائر بخصوص الدراسات العليا قبل دخول نظام “ل.م.د.” هو نظام الماجستير ثم الدكتوراه، الذي أطلق عليه الآن “النظام الكلاسيكي”. ونظرا إلى هذا الوضع، ظلت المدارس العليا في موضوع الدراسات العليا تفتح الباب للتسجيل في الماجستير وليس للماستر حتى قررت الوزارة منذ سبتمبر 2016 التخلي النهائي عن نظام الماجستير. وعندئذ طرح السؤال: كيف يتم التعامل مع المدارس العليا في هذا الشأن؟

من المعلوم أن هناك لجنة وطنية على مستوى وزارة التعليم العالي تدرس جدوى فتح مشاريع الماستر في كل مؤسسات البلاد تجتمع سنويا للبت في ملفات كل مشروع من هذا القبيل. في السنة الماضية، سلكت الوزارة فيما يخص مشاريع الماستر المقدمة من قِبل المدارس، طريقا أثبتت من خلاله سوء نيتها الصارخ.

فقد قررت أولا أن توكل مشاريع الماستر التي قدمها أساتذة المدارس العليا إلى لجنة خاصة، ثم تماطلت هذه اللجنة عن قصد، ولم تجتمع للبت في الأمر. ثم تمريرًا لمشروع كان مبيتًا يهدف إلى تضييع الوقت وتفويت الفرصة على فتح باب الماستر في المدارس العليا، أعادت الوزارة الملفات إلى هذه المؤسسات طالبة منها تغيير مضامين مقترحاتها واستبدال اختصاصات العلوم البحتة بطرق تدريسها! وهذا كمن يُطلب من أستاذ في الكيمياء مثلا فتح شهادة ماستر في الحقوق… والأدهى أن يطلب منه ذلك بعد انطلاق الدراسة بشهور!

وساير بعض الأساتذة الذين لهم صلة بطرق التدريس هذا التوجه. وفتحت شهادات ماستر من هذا القبيل بعد انتهاء السداسي الأول! وهذا ما يثبت مرة أخرى سوء النية. وليس هذا فحسب، بل عملت الإدارات المعنية على فتح أي ماستر بهذا الأسلوب– مهما كانت جديته ومؤطروه- لتدعي الوصاية أنها قامت بواجبها ولبت رغبة الطالب والأستاذ. وفي الواقع، فهي لم تلبِّ أي رغبة، بل أساءت إلى العلم وإلى قيمة الشهادة وإلى المدارس. وما حدث هو التالي:

– في الرياضيات مثلا، لم تفتح الماستر في القبة لأن عدد الطلبة المرشحين لم يكن كافيا!

– من بين شروط الالتحاق بالماستر هو أن يكون الطالب متخرجا بمستوى “باك+4″، وهؤلاء يمارسون التدريس بالمتوسطات. ولذلك، كان من الصعب أن يتخلوا عن التدريس ويلتحقوا في منتصف السنة بالمدرسة لتحضير شهادة الماستر.

– كيف يحضرونها ومهمة التدريس تثقل كاهلهم، وليس لهم متسع من الوقت ليواصلوا حضوريا إعداد شهادة الماستر؟ وإذا ما تشبثوا بالماستر وتخلوا عن التدريس بالمتوسطات فماذا سيكون مصيرهم المهني في حالة رسوبهم أو نجاحهم في ماستر في طرق التدريس؟!

– وأخيرا: هل هناك مسابقات في دكتوراه تحمل هذا التخصص تتيح لهم فرصة مواصلة الدراسات العليا؟ الواقع أن هذا التخصص غير موجود في الجامعات.

والمضحك المبكي، أن وزارة التربية أصدرت في تلك الأثناء تعليمة تمنع فيها هؤلاء الموظفين من متابعة الدراسة، حرصا منها على مصلحة التلاميذ… فصار هؤلاء الطلبة الأساتذة ممن تم تسجيلهم في الماستر يطلبون النجدة، واضطروا إلى عدم حضور دروس الماستر إلا في حالة وجود فراغ في توقيتهم المهني.

ولا أحد يدري الآن كيف ستتم هذه التجربة الفاشلة التي أساءت إلى المدارس وإلى طلبتها وشهاداتها. فهي مهزلة بأتمّ معنى الكلمة.

 وما جديد السنة القادمة؟!

كنا نظن أن وزارة التعليم العالي قد تابت عن غيّها لتفادي هذا الوضع خلال الدخول الجامعي القادم… إلا أنه لا شيء يثبت ذلك، بل يبدو أن الوزارة مصرّة على إعادة نفس السيناريو. فقد اجتمعت اللجان الوطنية الخاصة بدراسة مشاريع الماستر المقترحة في المؤسسات الجامعية، ولم تُدرس في هذه الاجتماعات مشاريع الماستر التي قدمها أساتذة المدارس العليا للأساتذة!

فلماذا تصرّ الوزارة على عدم تكليف نفس هذه اللجان الوطنية بدراسة مشاريع المدارس؟ ثم لماذا تجتمع هذه اللجان في الوقت المناسب وتتأخر تلك التي أوكلت إليها ملفات المدارس؟

من جهة أخرى، منذ فتح المدارس العليا للأساتذة في مطلع الستينيات وطلبة هذه المدارس المتفوّقون ظل لهم الحق في مواصلة دراستهم العليا (بنسبة 10% من كل دفعة على الأقل). فلماذا نجبر الآن المتخرج على الالتحاق بمنصبه في المتوسط أو الثانوي وأن يترشح (إن أراد) في نفس الوقت للتسجيل في الماستر… وفي الوقت ذاته نمنعه من حضور التكوين؟! أليس من الأفضل أن نعمل بالقانون الذي كان ساريا حتى قبل سنتين؟!

وبعد هذا، نتصور أن الوصاية ستجد مهربًا يقول إن مناهج المدارس العليا لا تتماشى مع نظام “ل.م.د.”. إذا كانت الوصاية صادقة النية فما الذي يمنعها من أن تطالب المدارس العليا بتبني هذا النظام كما فرضته على الجامعات؟ أو لماذا لم تتبنَّ- في انتظار إيجاد الحل الأمثل- معادلة الشهادات المحصل عليها في الجامعات وفي المدارس العليا؟

نحن نعجب لهذا النظام الذي لا منطق له! وتزداد غرابتنا عندما نعلم مثلا أن في هذه المدارس مخابر بحث تسهم إسهاما كبيرا في تكوين طلبة الدراسات العليا. ودليل ذلك أنه منذ أسبوع أفرجت المديرية العامة للبحث العلمي عن نتائج تقييمها لمخابر البحث على المستوى الوطني. وكانت هذه النتائج في قائمتين خضراء وحمراء. وكانت مخابر مدرسة القبة مثلا في القائمة الخضراء التي ستقوم المديرية بتمويلها (خلافا للقائمة الحمراء التي لن تُموّل، وهي مهددة بالغلق قريبا).

هل من المعقول أن يلتحق بهذه المخابر خريجو الجامعات ويُحرم منها، بتحصيل الحاصل، أهل الدار، طلبة المدارس العليا للأساتذة؟!

كنا نعتقد أن الوزارتين، التربية والتعليم العالي، يهمهما رفع مستوى خريجي المدارس العليا، ويهمهما خلق جو التنافس العلمي داخلها لينعكس ذلك إيجابًا على كل المؤسسات التعليمية… وإذا بنا نشهد فوضى عارمة من شأنها كسر طموح طالب المدارس العليا والنزول بمستوى هذه المدارس إلى الحضيض. فمتى يدرك مسؤولونا شناعة قراراتهم؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • صدام زاوي

    أولا أشكرك أستاذي الكريم على هذه الالتفاتة الطيبة.
    أنا كنت من بين طلبة الماستر في الدفعة الاولى بالمدرسة تخصص تعليمية المفاهيم في فيزياء الجسيمات والحقول. أيعقل أن يدرس الطالب الاستاذ حوالي 80% من مقايس في كل السدسيات تكوينا علميا وفي المقابل 20% مقايس في التعليمية. مثال عن ذلك أنا ناقشة مذكرة الماستر في ماي 2019 حيث كان عنوان المذكرة علمي 100%. وفي الاخير تجد نفسك تحمل شهادة ماستر في التعليمية عوضا ماستر في الفيزياء النظرية. وهل يقبل هذا التخصص في مسابقة الدكتراه في الجامعات. لا اضن ذالك. للاسف نحن طلبة المدرسة عانينا كثيرا من تهميش الوزترتين.