فيزا.. توريسك
كان علي أن أكون وزيرا- لا قدر الله- مأمورا بتطوير السياحة في خمس سنوات لكي يصل عدد السياح إلى 5 ملايين ونتمكن من إدخال 5 ملايير دولار في 5 سنوات (قابلة للتجديد).
أوروبا طلبت منا أن نطور السياحة تطويرا “ثقافيا”، أي أن نغير طبائعنا وسلوكاتنا الثقافية ونتحضر قليلا لنكون بلدا سياحيا أكثر! فأقدمت على تعليم “المتعلمين كثيرا”، فتعلموا قليلا مما لم أعلمهم لا قليلا ولا كثيرا. تعلموا كيف يتعاملون مع السائح الأجنبي بدءا من وصوله إلى المطار: “مسيو، دوني موا دي أورو”! مسيو..1 أورو! وكيف نضحك في وجوههم، ونضحك عليهم في قفاهم: “القاوري بن الكلب… ما بغاش يعطيني أورو.. والله ريحة الجنة ما يشمها! الكافر بالله! تفوه!”. يبدأ هذا المسلسل من “لاباف”، مرورا “بالديوانة” والحمالين والطاكسيات، وصولا إلى بواب الفندق إلى عامل الحجوزات إلى “لافام دي ميناج” إلى عامل المطعم والمقهى: نجيبلك كاس وإلا ما عليهش تشرب من القرعة؟.. تحتاج فرشيطة وإلا تغمس بيديك؟ تعلم الناس أيضا كيف يبيعون للسائح كل شيء بالأورو وفقط!.. وبضعف السعر! (مليح! تصلح ليهم! يستاهلوا! أنا معهم!). النساء صرن يتهافتن على الرجال الشقر الزعر ويرغمنهم على تبديل دياناتهم مقابل “الجنسية”: الدين لهم والجنسية لنا! يصبح “نيكولا، كريمو، وفرانسوا، قاديرو.. وهذا كله على الورق، ريثما يتم الزواج بسرعة البرق، ثم ينتهي “عقد الشراكة”. صار السياح يتزوجون بكثرة ويدخلون “في الإسلام” بوفرة، وصارت النساء يخرجن إلى الخارج في شكل “هجرة أغمدة”! الشباب، هم الآخرون بدؤوا “يتحرشون” بعجائز السياح، من أجل ضمان زواج بالأوراق لأجل الأوراق. واستفادت السياحة في الجزائر بدخول كل أنواع “الطرافيك” الدولي: تزوير الوثائق، تجارة الأجساد. وصارت الفنادق تعج بالسياح الجزائريين بحثا عن السائحين والسائحات، الأحياء، ومن هم على لائحة الأموات. حدثت أكثر من فضيحة “عريقات”، مع ليفني سيدة اليهوديات “المجاهدات”. عوضت الخمور التمور، وبقينا محافظين على “الاستوراد”، عوض التصدير وكثر “التكعرير” حول من هو أسبق؟: التبندير أم التزمير..؟ وأدخلت السياحة في مجال التصدير، كونها صدرت “العمال” واستوردت العملة! باعت الدين بالجنس(ية)، واستبدلت الدينار بالنار، وعطلت فكرة العمل وشجعت فكرة “التعامل”. أدخلت الإنسان الجزائري في خانة “الإيسكرو”، وانتفض المواطن المسكين: “يانامار.. سي طرو”!
كانت السنوات الخمس تكاد تقترب، وقد نجحت في الفشل! وصار البلد، بلدا “سائحا”، سائبا، ذائبا، رائبا، حامضا، سكران عريان، حفيان رفيان، ولله الحمد.
عندما أفقت من التهتريف، كانت الساعة العاشرة ونيف!