الرأي

في‮ ‬مصر‮: ‬الإخوان والنظام هل من مصالحة؟

صالح عوض
  • 1696
  • 15

بعد أكثر من عام شهد صدامات ومشاحنات وضحايا كثر في‮ ‬مصر،‮ ‬أصبح من الضروري‮ ‬الاقتراب لفهم حقيقة مآلات الوضع في‮ ‬مصر،‮ ‬في‮ ‬ظل اشتباك أمني‮ ‬عنيف في‮ ‬سيناء وانسداد أفق العمل السياسي‮ ‬في‮ ‬البلد وشدة وطأة الأحداث الداخلية وتجلياتها في‮ ‬الغلاء وارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن بعض المؤن ورفع أسعار المحروقات‮..‬

والدولة المصرية كما‮ ‬يقول المسؤولون المصريون تواجه تحديات حقيقية،‮ ‬ويشير المراقبون والخبراء أن مرحلة صعبة ستمر بها مصر قبل أن تستطيع الخروج من المأزق،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه‮ ‬يمرّ‮ ‬الإخوان المسلمون بتحد خطير،‮ ‬بل لعله الأخطر في‮ ‬عمرهم الطويل،‮ ‬فبعد أن وصلوا إلى سدة الحكم وفشلوا في‮ ‬الحافظ عليه ولم‮ ‬يستطيعوا إقناع خصومهم بجدارتهم في‮ ‬جمع الشمل المصري‮ ‬وكان أن انتفضت ضدهم الدولة المصرية وقطاعات من الشعب المصري‮.. ‬وبعد أن اختاروا طريق رفض كل المعطيات بعد‮ ‬30‮ ‬يونيو،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬جعلهم في‮ ‬حال اشتباك سلمي‮ ‬مع السلطات دفعت بالآلاف منهم إلى السجون والمطاردات‮.‬

إن تشخيص الواقع ضروري،‮ ‬فليس من المنطقي‮ ‬أو المقبول القول إن أحد الطرفين في‮ ‬بحبوحة من أمره وليس منطقيا كذلك القول إن الإخوان المسلمين سيتبخرون من مصر حتى لو أعدم آلاف منهم،‮ ‬لأن الأفكار لا تموت بالقتل،‮ ‬كما أنه ليس منطقيا القول إن الدولة ستسلم لهم الأمر الآن بعد أن انقلبت عليهم واعتقلت الآلاف منهم‮..‬

لا‮ ‬يهم كثيرا الاختلاف في‮ ‬تسمية الأشياء،‮ ‬فكما قال السابقون لا مشاحة في‮ ‬المصطلح،‮ ‬المهم هنا القول إن لا أحد في‮ ‬راحة من أمره وإن الصدام الداخلي‮ ‬حتى لو كان سلميا ولهذه المدة الطويلة ورث أحقادا وضغائن ومشاعرا سلبية على طرفي‮ ‬المواجهات وسمح لكثير من القوى الخارجية بالدخول إلى المشهد المصري‮.‬

في‮ ‬هذه الأيام‮ ‬يتكاثر الحديث عن مصالحة بين النظام وحركة الإخوان المسلمين‮.. ‬وتعددت الأطراف التي‮ ‬أبدت بعض المبادرات التي‮ ‬لم‮ ‬يسمح المناخ بخروجها إلى حيز الحياة‮.. ‬وهنا لا بد من ملاحظة أن القوى السياسية المصرية اصطفت اصطفافات تحدث الانشقاق الهرمي‮ ‬الراسي‮ ‬وغاب عن المشهد وجود قوى وسطية على المستوى السياسي‮ ‬تقوم بأدوار‮ ‬يحتاجها المجتمع والدولة في‮ ‬هذه المرحلة الحرجة من عمر مصر‮.. ‬كما أنه لا بد من تسجيل‮ ‬غياب الموقف العربي‮ ‬عن القيام بدور وساطة وتقريب وجهات النظر فيما بين الفرقاء في‮ ‬مصر‮.‬

لقد تركت مصر وحدها تعاني‮ ‬الانشقاق والتصادم والارتباك والجراح،‮ ‬والجميع‮ ‬يدرك أن هذه الحالة لا تفيد أحدا إلا إسرائيل والغرب الذي‮ ‬لا‮ ‬يريد لمصر إلا التشتت والضياع على اعتبار أنها أكبر بلاد العرب وفيها رموز حضارتهم وتقع في‮ ‬القلب منهم وتحد فلسطين حيث الصراع التاريخي‮ ‬مع العدو الصهيوني‮.‬

عجزت الأطراف العربية الرسمية والشعبية أو تخلّت عن القيام بدور تقريب وجهات النظر بين الإخوان والنظام في‮ ‬مصر إنقاذا لمصر والأمن القومي‮ ‬العربي‮ ‬الذي‮ ‬أصبح مكشوفا‮..‬

من الواضح الآن بكل‮ ‬يقين أن الإخوان سيظلوا بحضور قد‮ ‬ينقص أو‮ ‬يزيد لكنه لن‮ ‬يرحل في‮ ‬مصر وإن النظام لن‮ ‬ينهار بفعل مظاهرات هنا أو هناك أو تصريح هنا أو هناك‮.. ‬وهنا نكون التقطنا القاعدة الأساسية لأي‮ ‬مبادرة بين الطرفين‮.. ‬ومن هنا لا بد من التأكيد على الحرص على مصر وأمنها القومي‮ ‬والانسحاب من باب المناكفات والعداوة العمياء‮.. ‬ليتنازل الإخوان عن أشياء ويتنازل النظام عن أشياء ويصل الطرفان في‮ ‬الوقت نفسه إلى نقطة لقاء في‮ ‬نصف الطريق‮.‬

لعل الطرفين الآن أصبحا أكثر‮ ‬يقينا بأنه لا بد من المصالحة ونظل في‮ ‬انتظار تقدم مبادرة تفصيلية،‮ ‬لأن لا منتصر ولا مهزوم في‮ ‬أي‮ ‬تنازع داخلي‮ .. ‬ويبدو أن الأمور منذ فترة تسير في‮ ‬اتجاه البحث عن مناخ‮ ‬يوفر شروط نجاح مبادرة مصالحة‮.. ‬إنها المصالحة الضرورية لمصر وللعرب وللأمة جمعاء‮.. ‬تولانا الله برحمته‮.

مقالات ذات صلة