-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في الجودة والبيروقراطية!

د. عمر هارون
  • 387
  • 0
في الجودة والبيروقراطية!

حين ترغب في اقتناء هاتف محمول من السوق سوف تتوجه لتقارن بين الأنواع الموجودة في السوق آخذا بعين الاعتبار السعر والجودة المقترحة، ثم لك مطلق الحرية في أن تشتري ما يتوافق وإمكاناته ويقنعك بخصائصه، وهو الحال كذلك في حال ذهبت لقضاء عطلة في فندق ما، فأنت تبحث دائما على نوعية الخدمات المقدَّمة وتحاول أن تقارنها مع ما ستدفعه من أموال مراقبا ما كتبه من سبقوك من زبائن للتأكد من وجود توازن بين السعر الذي ستدفعه والخدمات التي ستحصل عليها، كل هذا يكون للتأكد من وجود جودة تجعلك تشعر بالرضا النفسي الذي بالطبع سينعكس على حالتك المعنوية بالإيجاب.

لكن الذي يعكِّر دوما مزاج الجزائريين عموما هو نوعية الخدمات المقدَّمة من قبل الجهات التي تعمل في قطاعات يمكن أن نسمِّيها القطاعات المحتكَرة طبيعيا من قبل الدولة ومؤسساتها، سواء كانت تلك المؤسسات إدارية أو اقتصادية، والحديث هنا يدور عن المؤسسة التي تعمل في مجال توزيع الكهرباء والماء والإدارات العمومية بمختلف أنواعها، وحتى القطاعات التي تعتبر من القطاعات التي تتميز بالاحتكار الجزئي على غرار النقل العمومي الذي يعدّ قطاعا يختلط فيه القطاع العامّ بالخاص من دون أن نحقق فيه الجودة المطلوبة.

ما الذي نحتاجه في الاقتصاد الوطني؟

في تقديري نحن في حاجة إلى إعادة الاعتبار لمصطلح “الجودة” في المنظومة الاقتصادية الجزائرية، فالعديد من الدراسات تؤكد أن المؤسسة أو الهيئة التي لا تُؤسَّس وفق معايير الجودة واحترامها لا يمكنها مستقبلا أن تأخذ بعين الاعتبار هذا المتغير، ومنه فإننا اليوم بحاجة إلى إعادة الاعتبار لفكرة الجودة في مجال الخدمات المقدَّمة خاصة من قبل القطاع العامّ وحتى القطاع الخاص من خلال العمل على خلق آلية لقياس هذه الجودة داخل مختلف القطاعات، خاصة أن واحدة من أهم وظائف الدولة الحديثة هي ضبط القطاع الاقتصادي، وذلك لا يكون إلا من خلال التأكيد على دور وأهمية سلطات الضبط في بناء نماذج لقياس الجودة وتطبيقها في أرض الميدان، وذلك من خلال الربط بين المتعاملين والمستخدمين من خلال هيئة مستقلة مكونة من مهنيي القطاع قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الخدمات المقدَّمة في المجال، هيئات توضح معايير الجودة وطرق قياسها وتقدّمها للمواطن ليفهم ما الذي يمكن يوافق المعايير وما الذي لا يوافقها، خاصة في القطاعات التي لا يوجد فيها منافسة وتطوير للجودة وفق ميكانيزمات السوق.

رفع الجودة

إن رفع مستوى الخدمات المقدَّمة في القطاع العامّ والخاص، لاسيما في المجالات التي تقلُّ فيها المنافسة يعني بالضرورة تحسين مستوى حياة المواطن الجزائري، ولعل أهم ما يمكن أن يحدث هو استحداث هيئة وطنية تُعنى بالجودة ومعايير قياسها لتكون مرجعية وطنية في هذا المجال تسمح لنا -في مرحلة أولى- بأن نعرف ونفهم أين نحن مما يجب أن يكون؟ ثم تكون المرحلة الثانية خطة لتطوير آليات قياس الجودة، وتكون المرحلة الثالثة والأخيرة بداية عملية قياس الجودة في كل المجالات والعمل على الرفع منها.

من حقنا أن نحلم بجزائر تقدم لأبنائها جودة حياة متميزة خاصة أننا نملك كل الإمكانات والقدرات اللازمة لتحقيق ذلك، والحل الأمثل للوصول إلى هذا المستوى سيكون هيئة وطنية تكلّف بتنفيذ برنامج متوسط الأمد قادر على تحويل واقع الخدمات العمومية في الجزائر من النقيض إلى النقيض.

ولعل البعض سيقول إن ما نطالب به هو في الحقيقة عمل هيئات الرقابة المختلفة، ولهؤلاء نقول إن ترسيخ مبدأ الجودة في كل ما يقدَّم هو عملٌ يحتاج إلى جهد كبير وعمل متوسط الأمد لنصل إلى غرس هذه الثقافة التي تعتبر في بلدان أخرى أسلوب حياة، ولعلَّ تجربة المسابقة الاختيارية التي أطلقتها منظمة المجتمع المدني لاختيار أحسن المنتجات هي واحدة من هذه المبادرات التي يمكن أن يقابلها في مجال الخدمات مسابقاتُ اختيار أحسن مطعم وأحسن مقهى في البلدية أو الولاية.

أداة لمحاربة البيروقراطية

إن العديد من الإدارات العمومية لا تزال تستخدم سجل تسجيل الشكاوي والتظلمات، رغم أن المواطن لا يعلم ما هي معايير المعاملة المثالية بالنسبة لما تقدمه الإدارات العمومية، لا من ناحية الوقت ولا الجهد الفكري والذهني المبذول لإتمام معاملة أو الانتهاء من ملف، لكن وجود هيئة قادرة على تقديم معايير التقييم والتقدير سوف يمكِّننا من فهم بشكل دقيق وآلي نوعية الخدمة المقدَّمة مقارنة بما يجب أن يكون، وهو ما سيسمح لنا بالمرور من مرحلة جديدة لم يكن أحدٌ يتوقعها، وهي المرحلة التي يكون فيها المواطن قادرا على قياس جودة ما يحصل عليه من خدمات خاصة العمومية منها، وقادرا على فهم مكمن الخلل إن وُجد، فمن حقنا أن نحلم بجزائر تقدم لأبنائها جودة حياة متميزة خاصة أننا نملك كل الإمكانات والقدرات اللازمة لتحقيق ذلك، والحل الأمثل للوصول إلى هذا المستوى سيكون هيئة وطنية تكلّف بتنفيذ برنامج متوسط الأمد قادر على تحويل واقع الخدمات العمومية في الجزائر من النقيض إلى النقيض.

كمواطن، كثيرا ما أصادفُ مواقفَ أجد فيها أن ما يتم تقديمه لي من خدمة لا يتوافق وما يجب أن يكون، حالا لا أرى أن تستدعي تقديم بلاغ للجهات الأمنية أو القضائية، بل تتطلب جهة مهنية قادرة على الحكم على ما يقدَّم بطريقة عادلة ومنصفة، والأهم أن غرضي يكون دوما عدم مصادفة حالة مشابهة من غياب الجودة في المستقبل، وهو أمرٌ نحن بحاجة إلى بحث آليات الوصول إليه، لأنه إن تحقق سيجعل وجه الجزائر يختلف ويحقِّق لنا طفرة في الحياة العامة التي تعيشنا ولا نعيشها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!