-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ذكرى: أسود غزة منصورون ولو بعد حين

سلطان بركاني
  • 665
  • 1
في ذكرى: أسود غزة منصورون ولو بعد حين

السابع عشر من رمضان، يوم يعود بقلوبنا وأرواحنا ألفًا وأربعَمائة وثلاثًا وأربعين سنة إلى الوراء، إلى حدث من أهم أحداث التاريخ الإسلامي، كان محطة فارقة في تاريخ هذه الأمة المسلمة؛ انتقلت معه من عهد الضعف والاستضعاف إلى عهد العزّ والتمكين، على أرض أصبح لاسمها وقْعٌ في النفوس المؤمنة، يذكّرها بأنّ العاقبة لهذا الدين وأهله؛ إنها أرض بدر التي جرت على ثراها المبارك في السنة الثانية للهجرة أحداث معركة غيّرت وجهة التاريخ البشريّ، وقلبت موازين القوى، وبدأت معها أولى بشائر التّمكين الذي كتب الله أنْ يكون من نصيب عباده المؤمنين.

جيّش أهل الباطل لخوض المعركة جحافلهم وأجلبوا لها بخيلهم ورجِلهم وحدّهم وحديدهم، وخرجوا في أكثر من 1000 رجل يملؤهم البطر والخيلاء والاستعلاء للصدّ عن سبيل الله، واستئصال تلك القلّة القليلة والثلة المؤمنة التي أرّقت ليل رؤوس الباطل وسدنة الشرك والطغيان. خرجوا معهم أقداح الخمر وكؤوسها ومعهم المغنيات والطبول والقينات، شعارهم: “اعل هبل”.. بينما خرجت الطائفة المؤمنة في قِلّتها التي لم تزد على 314 رجلٍ، متواضعةً خاشعة لربها، تستنصره وترجوه وتستغيث به وتدعوه. أقدام تسير على الأرض وقلوب تعلقت بالسماء، وأرواح ترى في الموت في سبيل الله أعظم حياة. ثلة مؤمنة ما خرجت إلا نصرة لدين الله، وما حملت شعارا آخر غير شعار “الله أكبر”.

تراءى الجمعان والتحمت الفئتان، وما هي إلا ساعات حتى انكشف غبار المعركة عن نصر مؤزّر لعباد الله المؤمنين، وهزيمة مدوية للمشركين، وأسفرت الواقعة عن أسر 70 رجلا من المشركين، وقتل 70 آخرين من سادة قريش المجرمين، بينهم عدد من رؤوس الكفر والظلم والطغيان، يأتي في مقدّمتهم فرعون العرب أبو جهل الذي سام المسلمين في مكة سوء العذاب، وسعى في رميهم بكل نقيصة وروج في حقهم الأكاذيب، واستعدى عليهم زبانيته من الحانقين والحاقدين والمستكبرين، وأغرى ضدّهم أهل مكّة وحرّض عليهم قبائل العرب، فكانت نهايته في بدر أنْ قتل بسيفي غلامين من غلمان المسلمين، كما هلك فرعون آخر من الفراعنة هو أمية بن خلف، الذي سخّر ماله في مكة للصد عن سبيل الله، واشترى الذمم وزور الحقائق، وأغرى السفهاء بماله لأذية عباد الله المؤمنين، فحاق به قول الحق -جل وعلا-: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون)).

لقد كانت ملحمة بدر في شهر رمضان؛ في أوّلِ رمضانٍ يُفرض صيامه، ويفرض فيه الجهاد على المسلمين، في رسالة واضحة المعالم تقرؤها الأجيال، أنّ هذا الشهر ينبغي أن يكون شهرَ انتصار على النّفوس وعلى الأعداء، وشهرًا للجهاد والفتوحات، وقد كان كذلك حينما كانت الأمة تعرف لرمضان قدره ومكانته، ففي هذا الشهر كان فتح مكة في السّنة 8 للهجرة، وفيه كانت ملحمة البويب في السنة 13هـ، التي انتصر فيها 8 آلاف من المسلمين المؤمنين على أكثر من 100 ألف من الفرس المجوس على أرضهم، وقتلوا منهم ما لا يقل عن 90 ألفا، وفيه انتصر 12 ألف مسلم بقيادة طارق بن زياد على 100 ألف من الإسبان الصليبيين بقيادة لوذريق في السّنة 92 هـ، وفيه كانت الملحمة التي هزَّت الأرض بكاملها في موقعة عين جالوت سنة 658هـ، يوم انتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع ديار المسلمين بأكملها…

وفي زماننا هذا، ها هم أسود الجهاد والمقاومة في غزّة، بأسلحتهم المتواضعة التي صُنعت في أغلبها بأيديهم المتوضّئة، يقدّمون أروع النّماذج في قوة الحقّ وأهله وصلابة من يحمل عقيدة التوحيد بين جنبيه.. فرغم كلّ ما يقترفه الصهاينة من مجازر مروّعة في حقّ المدنيين، إلاّ أنّ علامات الخيبة أمست بادية على وجوه قادتهم وظاهرة في الرعب الذي سكن جندهم المدججين بأحدث الأسلحة وهم يلاقون من المجاهدين ما لم يدر لهم في خلد ولم يكن لهم في حسبان.. يحدث كلّ هذا والمرابطون محاصرون مخذولون من كلّ العالم، ليس لهم إلا الله، وهو ناصرهم ولو بعد حين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • و تلك الأيام نداولها بين الناس

    الله مولانا ولا مولى لهم و قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار ولا نامت أعين الخونة و الجبناء و المنافقين.