-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ذكرى غزوة بدر: هل أنت مؤمن حقا؟

أبو جرة سلطاني
  • 1428
  • 0
في ذكرى غزوة بدر: هل أنت مؤمن حقا؟

لن أحدثكم عما تعرفون من تاريخ غزوة بدر، وإنما أحدثكم عن المسكوت عنه في حركة النفوس التي تود “أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ” الأنفال:7 ؛ ولو كانوا صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم). أحدثكم عن النفوس التي أخرجها ربنا (جل جلاله) من بيوتها بالحق: “وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ” الأنفال:5. أحدثكم عن الصحابة الذين يجادلون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحق من بعد ما تبين: “كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” الأنفال:6..

هذا هو الحديث الذي أن نعيده على مسامعكم ولا نملّ من تلاوته حتى نرى الملائكة (عليهم السلام) يحاربون مع الذين آمنوا يضربون فوق الأعناق ويضربون منهم كل بنان. فنوقن بوعود الله كلها إذا وفينا المطلوب. أما بغير هذا فلست أرى جدوى من استدعاء وقائع غزوة بدر التي جرت يوم الإثنين 17 رمضان في السنة الثانية للهجرة. وخاض غمارها 314 مقاتلا من المسلمين (أغلبهم من الأنصار) لم يكن لهم من وسائل القتال سوى فرسين وسبعين بعيرا يتعاقبونها لبلوغ ساح الوغى، وكلهم شوقا لمواجهة 1000 مقاتل من مشركي قريش ومن صناديد مكة يتقدمهم أبو جهل بترسانة من الخيول والإبل والعبيد والراقصات.. بعد إفلات قافلة أبي سفيان.

لن أحدثكم عن حصيلة القتلى والأسرى؛ فأنتم تعرفون أنه قد قُتل من المشركين 70 مشركا وأٍسر منهم 70أيضا. واعتلى 14 شهيدا من المسلمين مقام الحياة شهدا عند الله يرزقون..

كل هذا تعرفونه، فلا جدوى من إعادة نشره إلا من باب التذكير بأجواء المعركة الأولى بين الحق والباطل التي سميت “يوم الفرقان” ودارت في ساحة آبار بدر، وهُزم فيها الشرك أنكر هزيمة، وقد خرجت أجناده بطرا ورياء الناس بألف من أجناده. وانتصرت فيها فئة قليلة من كتائب التوحيد بما كان لهم من يقين في تأييد الله لهم بمدد علوي قوامه ألف من الملائكة مردفين.

حديثي لكم اليوم سيتناول “ظاهرة تربوية” فريدة في كتاب الله المجيد ذكرتها في التفسير باستفاضة واسعة وأقدمها لكم ملخصة مع شيء من فقه الحياة عساها تسهم في حياة قلوبنا فنعيش الأجواء التي تنزل فيها القرآن وكأنه يتنزل علينا اليوم.

بعد نهاية المعركة مكث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بدر 03 أيام جمعت فيها الغنائم. وتم تنظيف ساحة المعركة. وعولجت خلالها مسألة الأسرى؛ بعد دفن الشهداء ال14. واختار رسول الله 24 قتيلا من سادة قريش وكبرائها دفنهم في قليب واحد (قبر جماعي) وخطب فيهم بما يفيد سماع الأموات كلام الأحياء. وبما يذكر كل حيّ بأنه يبعث على ما مات عليه.

فلما قفل راجعا إلى المدينة نزلت سورة الأنفال تؤرخ لهذه الغزوة وترسم معالم ما بعد “يوم الفرقان”. ونزلت بعدها بسنة واحدة سورة آل عمران؛ تذكّر المسلمين بالفروق بين هزيمتهم في غزوة أحد وانتصارهم في بدر(مقومات النصر وأسباب الهزيمة). وفي هذا حركة حياة لو عشناها لأيقنا أننا نكثر بالنصر ونقل بالخذلان لا بعدد الرجال.

ما لفت انتباهي في تفسير سورة الأنفال أن الصحابة (عليهم الرضوان) سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن غنائم بدر: ماذا لهم مما غنموه من المشركين؟ وكيف تقسّم عليهم الأنفال؟ فتأخر الجواب عن سؤالهم أربعين آية..!!

فقد ساق الله ساق لهم – لأول مرة – من أموال قريش ما وعدهم به. وكان رسول الله يحرض المقاتلين؛ قبل الصدام المسلح مع المشركين، على القتال والفداء والتضحية ليصنع من الشباب فدائيين فقال:” من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه”. وكان للراجل سهم وللفارس سهمان. لأن السهم من الغنيمة تكريم للمقاتل يشبه تقليد الرتبة العسكرية اليوم. بعدما خص الله رسوله بالغنائم ضمن خمسة أشياء خصّه بها دون سائر إخوانه الرسل السّابقين. في حديث: ” أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي..”. رواه البخاري.

كان الصحابة في المعركة ثلاث فئات:

1- فئة حرسوا رسول الله في العريش ونقلوا عنه تعليمات القتال إلى ساحة المعركة من بداية المبارزة رجلا لرجل إلى أن تحقق النصر.

2- وفئة رشقوا العدوّ بالنبل وقاتلوه بالسيف فلما انهزم وولى الأدبار تجمعوا حول “مركز القيادة” بانتظار ما يأمرهم به رسول الله من تعليمات جديدة بعد النصر.

3- وفئة قاتلوا وطاردوا العدوّ لبضع أميال نكاية فيه (حرب نفسية) وألقوا القبض على سبعين أسيرا اقتادوهم إلى مركز القيادة.

فلما جُمعت الغنائم ؛ وكانت كثيرة، اختلفوا في كيفية تقسيمها فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنها. فنزلت سورة الأنفال تخبرهم أن “الأنفال لله والرسول” وليست شأنا دنيويا. وقبل جوابهم عن السؤال المطروح قرر الله ثلاثين قضية غطت تسعا وثلاثين آية ليأتي الجواب عن سؤالهم بعد أن يصبحوا مؤمنين حقا:”أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا”  الأنفال: 4.

1- السؤال من الصحابة: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ؟” الأنفال:1

2- الجواب وحي من الله: “وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” الانفال: 41.

3- الاستنتاج: المؤمنون درجتان؛ مؤمنون عاديون؛ وهم غلبية المسلمين. و”مؤمنون حقا” تعرفهم بخمس صفات متلازمة بها ينتصر الإسلام.

فما هي الثلاثون مسألة التي جاءت جملة اعتراضية بين سؤال الصحابة عن الأنفال وجواب الله عنها والفرز بين عامة المؤمنين وبين بين آمن حقا؟

تفاصيلها كثيرة. ولكن عناوينها الكبرى هي: تقوى الله. إصلاح ذات البين. طاعة الله ورسوله. ذكر الله. تلاوة آياته. الخوف منه. زيادة الإيمان. التوكل على الله. إقام الصلاة. النفقة من رزق الله على عباده. الوعد بالدرجات عنده وبالمغفرة والرزق الكريم. ثم عرض سيرة الصحابة قبل الحرب وتصوير نفسياتهم وتجنبهم الصدام المسلح. وابتغائهم غير ذات الشوكة. ووعود الله. وما كان من المشركين وقطع دابرهم. وكيف عزز الله المعركة – لما استغاثه المسلمون – بإنزال الملائكة. وبشرى الله لهم بالنصر. وتذكيرهم بنعم الله عليهم. وحث المؤمنين على القتال (وعدم التولي يوم الزحف). وتصوير أجواء المعركة بالاستفتاح. والتحذير من المخالفة عن أمر الله. ولزوم الاستجابة لله ولرسوله. وتذكيرهم بأيام ضعفهم. وعودة إلى ليلة الهجرة. وأمان أهل الإيمان بوجود رسول الله بينهم وباستغفارهم. ثم نقلة بعيدة إلى ما سوف يكون من شأن مستقبلي بين معسكر التوحيد وفلول الشرك..

والسؤال التربوي الكبير: لماذا أخر الله الإجابة عن سؤال الصحابة حتى بسط هذه المسائل كلها ثم تكرم عليهم بالجواب من أن خمس الغنائم يتولى رسوله (صلى الله عليه وسلم) إغناء الفقراء بها والمساكين وذي القربى واليتامى وأبناء السبيل.. وكل محتاج إلى مساعدة ممن لم يشاركوا في الغزو. والأربعة أخماس الباقية توزع على المقاتلين؛ بعد تنفيذ ما وعد الله به الذين أبلوا البلاء الحسن. وأعلاهم درجة الشهداء (14 شهيدا) بتكريم أسرهم ليشعروا بالفخر الذي تحقق به النصر وعلت به راية الإسلام وانتصرت فئة قليلة على فئة كثيرة بإذن الله:” والله مع الصابرين”.. وشتان بين عامة المؤمنين وبين المؤمنين حقا..!!
إذا عزمت على أن تكون مؤمنا حقا فإني أنصحك بتأمل الآيات: 2/4 من سورة الأنفال لتحكم بنفسك على نفسك: هل أنت مؤمن وكفى؟ أم أنت مؤمن حقا؟ ومن حكم عليه كتاب الله فما ظلم.
اللهم نصرك الموعود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!