-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ذكرى يوم الفُـــــــــــــرقان

سلطان بركاني
  • 425
  • 0
في ذكرى يوم الفُـــــــــــــرقان

عاشت الأمّة الإسلامية، يوم الإثنين، ذكرى يوم الفرقان، كما سمّاه القرآن، وهو اليوم الذي التقى فيه الجمعان والتحمت الفئتان، وانتصر الحقّ والإيمان على الشّرك والطّغيان، في السابع عشر من شهر رمضان، من العام الثّاني من هجرة النبيّ العدنان، عليه الصّلاة والسّلام، في موقعة بدر التي خلّدها كتاب الله الخالد، بآيات تتلى مدى الأزمان، في يوم كان محطة فارقة في تاريخ أمة الإسلام؛ نقلت الأمّةَ من عهد الضعف والاستضعاف إلى عهد العزّ والاستعلاء بالحقّ، وبدأت معها أولى بشائر التّمكين، الذي كتب الله أنْ يكون من نصيب عباده المؤمنين.

جيّش أهل الباطل لخوض المعركة جحافلهم وأجلبوا بخيلهم ورجِلهم وحدّهم وحديدهم، وخرجوا في أكثر من 1000 رجل يملؤهم البطر والخيلاء والاستعلاء للصدّ عن سبيل الله، بعد أن أغراهم الشّيطان باستئصال الثلة المؤمنة التي أرّقت ليل رؤوس الباطل وسدنة الشرك والطغيان وقال لهم: “إِنِّي جَارٌ لَكُمْ”. خرجوا معهم أقداح الخمر وكؤوسها ومعهم المغنيات والطبول والقيّنات، شعارهم: “اعل هبل”.

بينما خرجت الثلة المؤمنة في قِلّتها التي لم تزد على 314 رجلٍ، متواضعةً خاشعة لربها، تستنصره وترجوه وتستغيث به وتدعوه، أقدام تسير على الأرض وقلوب تعلقت بالسماء، وأرواح ترى الموتَ في سبيل الله أعظم حياة. ثلة مؤمنة ما خرجت إلا لنصرة الدين، وما حملت شعارا آخر غير شعار “الله أكبر”. كان بينها الشّيوخ والكهول والفتيان، وأظهر شباب الصّحابة حرصا منقطع النّظير على الجهاد والاستشهاد والانتقام لرسول الله ممّن عادوه وآذوه وأخرجوه.

تراءى الجمعان والتحمت الفئتان، وما هي إلا ساعات حتى انكشف غبار المعركة عن نصر مؤزّر لعباد الله المؤمنين، وهزيمة مدوية للمشركين، وأسفرت الواقعة عن أسر 70 رجلا من المشركين، وقتل 70 آخرين من سادة قريش المجرمين، بينهم عدد من رؤوس الكفر والظلم والطغيان، يأتي في مقدّمتهم فرعون العرب أبو جهل الذي سام المسلمين في مكة سوء العذاب، وسعى في رميهم بكل نقيصة وروج في حقهم الأكاذيب، واستعدى عليهم زبانيته من الحانقين والحاقدين والمستكبرين، وأغرى ضدّهم أهل مكّة وحرّض عليهم قبائل العرب، فكانت نهايته في بدر أنْ قتل بسيفي غلامين من غلمان المسلمين، كما هلك فرعون آخر من الفراعنة هو أمية بن خلف، الذي سخّر ماله في مكة للصد عن سبيل الله، واشترى الذمم وزور الحقائق، وأغرى السفهاء بماله لأذية عباد الله المؤمنين، فحاق به قول الحق جل وعلا: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)).

لقد كانت ملحمة بدر في أوّلِ رمضان يُفرض صيامه، أياما بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ونزول الأمر بالقتال؛ في رسالة واضحة المعالم تقرؤها الأجيال، أنّ هذا الشهر ينبغي أن يكون شهرَ انتصار على النّفوس وعلى الأعداء، وشهرًا للجهاد والفتوحات.. وقد كان كذلك حينما كانت الأمة تعرف لرمضان قدره ومكانته، ففي هذا الشهر كان فتح مكة في السّنة الـ08 للهجرة، وفيه كانت ملحمة البويب في السنة 13هـ، التي انتصر فيها 8 آلاف من المسلمين المؤمنين على أكثر من 100 ألف من الفرس المجوس على أرضهم، وقتلوا منهم ما لا يقل عن 90 ألفا، وفيه انتصر 12 ألف مسلم بقيادة طارق بن زياد على 100 ألف من الأسبان الصليبيين بقيادة لوذريق في السّنة 92هـ، وفيه كانت الملحمة التي هزَّت الأرض بكاملها في موقعة عين جالوت سنة 658هـ، يوم انتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع ديار المسلمين بأكملها…

إنّ الأمّة في هذا الزّمان، في أمسّ الحاجة لأن تعيد قراءة الأحداث والعبر التي حملتها غزوة بدر، لتخرج من حال الهوان التي انحدرت إليها بعد تشتّتها إلى دويلات، وركون قادتها إلى أعدائها، وميل أفرادها إلى الدّنيا وتخلّيهم عن مصادر وأسباب العزّ والتّمكين، من إيمان راسخ وعمل صالح يُصلح الدّنيا والدّين، ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور، 55).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!