-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى (عليه السلام) والخضر (رضي الله عنه)

في طيّ الموت حياة

أبو جرة سلطاني
  • 832
  • 2
في طيّ الموت حياة

ولم يكن الغلام يعلم ما كان بين موسى (ع) وربّه من أسرار، ولذلك لم يذكر عجبَ ما رآه لسيّده، ولم يسأل موسى (ع) فتاه عن لوازم السّفر وشأن الحوت ولا عن الذي كان يحمله.. ولم يلاحظ ضمورًا أو نقصا في مكْتل الطّعام، وكان عليه أنْ يلاحظ كلّ طارئ على هذه الرّحلة العلميّة، فهو أميرها.

طال زمن البحث وتباعدت المسافات وبلغ الجوع والتّعب من الرّجلين مبلغا جهيدا، فلما ابتعدا عن الصّخرة التي كانت نقطة التقاء مجمع البحريْن، قرّر موسى (ع) أن يجلسا للغداء والرّاحة: “فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا” الكهف: 62، تعبا من البحث وأرهقهما السّفر ولأنفسهما عليهما حقّ. فجئنا بما معنا من طعام !! ولم يكن أمام الفتى، الذي لم يكن يعرف رمزيّة معجزة عودة الحياة إلى حوت ميّت مجفّف سوى الاعتذار لسيّده بما لا يُصدّق؛ قدّيد الحوتٌ تُبعث فيه الحياة فيقفز في الماء ويتسرّب سباحة في البحر !! لا تفسير سوى التّهاون في حفظ طعام السّفر وترك كيس الطّعام عرضة لأمواج البحر، فلما امتدّ الماء إلى المكتل وغمره رُدّت الحياة إلى الحوت فانتفض وعرف طريقه إلى الماء سربًا، ونسيّ الغلام إخبار موسى (ع) بالعجب الذي رآه: “قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا” الكهف: 63 !! فكان من نتائج نسيانه أن أوْغلا بعيدا عن الغاية المنشودة. فجهله بما في نفس موسى (ع) أضعف حرصه على القيّام بواجب البيان في وقت الحاجة. واهتمام موسى بما يشغل باله صرف قلبه وعقله عن مراقبة التّفاصيل.

حصل تهاون ونسيان وتأجيل، وضاع طعام السّفر وعاد الحوت إلى البحر. وقلّ الحرْص بسبب الرّهق والجوع والنّصب. وبعد قطع أشواط طويلة في الاتّجاه الخطأ سأل موسى (ع) فتاه الطّعام فأخبره الفتى بما حدث معتقدا أنّ موسى (ع) لن يصدّقه، وصارحه: لم أخبرك بما حدث نسيان مني فقد بلغ التّعب مني منتهاه !!: إنّ الحوت الميّت المجفّف لما لامسه الماء دبّت فيه فتسرّب بين الأمواج!! رواية صعبة التّصديق، لكنْ بين تسرّب الحوت إلى البحر وتعجّب الفتى مما حدث، كشف له موسى (ع) عن سرّ الله في الهداية والبيان والغيب: “قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا” الكهف: 64. هذه هي المعجزة التي كنت انتظر حدوثها؛ فالموضع الذي أحيا الله (جل جلاله) فيه الحوت هو المكان الذي سيفتح التّاريخ فيه أعظم كلّية للعلم اللّدنيّ لمدّة وجيزة يتقرّر خلالها أعظم ثلاثة دروس في منهج الخُلْطة مع النّاس وفي جريان أقدار الله في كونه، وفي لطفه بأستاره. ثم يختفي الأستاذ المرشد المتخصّص في علم الكشف، ويعود المتلقّي رسولا نبيّا يدعو قومه إلى الهداية ويعلّمهم الكتاب والحكمة من علم الشّريعة الذي علمه الله في التّوراة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Hamid

    ديرنا مقال عن النفاق

  • لزهر

    الصبر على المشاق والمعاناة أو العمل الشاق أو الفشل من ضمن الأشياء التي تواجه الأنسان في حياته و هي من صيفات الرجل الصالح الذي يجاهد في سبيل عائلته و يصبر و يقاوم لتعيش بسلام. تقابلها الأحلام المراد تحقيقها النهوض من الفشل التام خلال تجربة ما في غاية الصعوبة و ما على العبد الرجوع إلى خالقه لأستعانة به و لا مخرج له سوى توجيه الدعوة له و هو المستعان سبحانه وتعالى (يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي). و (أدعوني أستجب لكم) و لا مجال للإستسلام عند مثل هؤلاء الناس.