قانونٌ لـ”تطحين” الرجل
يبدو أن الحكومة لم تجد ما “تكرم” به المرأة هذا العام بمناسبة “عيدها العالمي”، سوى بوضع قانون سيساهم في تحويل البيوت إلى بؤر للصراعات الزوجية المفضية إلى تفكيك الأسر، وارتفاع معدّلات الطلاق، وضياع الأطفال، واستشراء الانحلال..
ينصّ القانون الجديد على حبس الزوج بين عام وثلاثة أعوام إذا ضرب زوجته، وسبّب لها عجزاً مدة تقلّ عن 15 يوماً، وبين سنتين إلى ثلاثٍ، إذا كان العجزُ أكثر من 15 يوماً.
مبدئياً، الضرب المبرح مرفوض دينياً، والإسلام يحثّ على المعاشرة بالمعروف، وعلى أن يكون الزواج سكناً ومودّة ورحمة للزوجين، وكلمة “واضربوهن” الواردة في القرآن الكريم تتعلق بالضرب الخفيف، ويقتصر على حالة نشوز الزوجة، وليس من المقبول أن يضرب زوجٌ زوجته بقسوة لأتفه الأسباب، ويُحدِث لها عاهة مستديمة أو جرحاً أو تشويهاً في وجهها أو جسمها…
ولكننا نعتقد أن هذه المسائل الأسرية لا تعالَج بالقوانين والعقوبات، لاسيما إذا كانت قاسية وتفتح المجالَ واسعاً للطلاق، وهل هناك رجلٌ يقبل بأن تسجنه زوجتُه، لأنه ضربها، ثم يستمرّ معها تحت سقفٍ واحد بعد خروجه من السجن!!!؟ كما تدفع الشباب إلى النفور أكثر من الزواج، وبالتالي ارتفاع معدّلات العنوسة بين الجنسين، وما يتبعها من تفاقم الانحلال الأخلاقي.
كان الأفضل أن يُترك المجالُ للأهل لمعالجة المسألة بأشكال تقليدية معروفة منذ قرون عديدة، فهي أكثر تأثيراً من عقوبة السجن التي ستؤدي فقط إلى الانتقام من الأزواج، وتفكيك الأسر، ومضاعفة أعداد المطلقات وأبناء الطلاق…
والمصيبة أن القانون الجديد يجرّم حتى “العنف اللفظي“، الذي يمسّ بما يسمّيه “السلامة النفسية للمرأة“، وفي هذه الحالة يمكن لأيّ امرأة نكَدية غير مبالية باستمرار الحياة الزوجية، أن تنتقم من زوجها بالتواطؤ مع أي مختصّة نفسانية متعاطفة معها، فتستظهر أمام المحكمة شهادة “طبية” من المختصّة، تثبت “ضررها النفسي” من الشجارات اللفظية المستمرّة مع زوجها، فيُعاقب بالحبس تبعاً لذلك من عام إلى 3 سنوات.
هذا معناه أن الزوج مطالبٌ إما بتطليق زوجته، أو بتدريب نفسه على “الطّْحين“، والذلّ، وقبول استئساد زوجته عليه، للنجاة من سيف الحبس المسلّط دائماً فوق رأسه، وتطليق الزوجة أسهل وأنجع في هذه الحالة. أبمثل هذه القوانين تُعزّز الحكومة تماسك الأسرة الجزائرية!!!؟ وكيف تسعى الحكومة إلى “حماية المرأة من التمييز” كما تزعم، وهي تضع بنفسها قانوناً “تمييزياً” لا يتحدث عن العنف المادي واللفظي للمرأة تجاه زوجها، ولا يعاقبها على ذلك!!!؟
وتؤكّد سرعة إصدار هذا القانون، ودون طرحه لشتى فعاليات المجتمع لمناقشته بشكل واسع في فترةٍ زمنية كافية، أن هناك مشروعاً خطيراً يُنفّذ على مراحل لتفكيك الأسرة الجزائرية، وتنفير الشباب من الزواج، وتغريب المجتمع، ونشر الانحلال الخلقي في،ه باسم “حماية المرأة“، و“مكافحة التمييز ضدها“، وهو يتمّ بمساعدة الكثير من “نوّاب الشعب” للأسف الشديد؛ فمن مراجعة قانون الأسرة في 2005، وتقييد التعدّد وتمييع شرط الوليّ، إلى قانون صندوق المطلقات الذي أقصيت الأراملُ الحاضنات منه بطريقة تبعث على الريبة، إلى القانون الحالي.. وإذا تواصل الأمرُ على هذا المنوال، فسيجد مجتمعُنا نفسه بعد عقودٍ من الآن في وضعية مشابهة تماماً للمجتمعات الغربية؛ حيث أصبحت الإباحية هي القاعدة، والزواج هو الاستثناء، ولا يعرف معظمُ أطفاله من هم آباؤهم.