الرأي

قبل أن يرحل الجميع!

محمد سليم قلالة
  • 2132
  • 18

إذا كان مِن أملٍ نُعيده إلى الجزائريين عامة وإلى الشباب الجزائري خاصة في السنوات القادمة فليس أفضل من أن نُمكِّنهم من الاقتناع ببلدهم وبقدراته، وبإمكانية العيش فيه بأمان وبعدم الرحيل… ذلك أن أكبر تهديد تعرفه بلادنا اليوم هو المتعلق بعدم الثقة في هذا البلد وفي قدراته وفي إمكانياته، وبأنه يمكن أن يكون أفضل بديل للمستقبل. كل السياسات تصب عن وعي وعن غير وعي في هذا الاتجاه القائم على التيئيس من المستقبل، وكثيرة هي المؤشرات التي تكاد تُصنَع فقط لهذا الغرض، من قبلنا ـ وما أكثرها ـ ومن قبل غيرنا أيضا. قليلة هي الدالة على عكس ذلك إن أَقنَعت..
إذا كان من مشكلة أولى ينبغي أخذها بعين الاعتبار اليوم أو غدا فهي هذه. علينا ليس فقط أن نحلها بل أن نجعلها محور جميع مشاريعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إذا أردنا بهذا البلد خيرا؛ إذ لا معنى لتدابير نتخذها ولا لإجراءات نقوم بها، مهما كانت صالحة، إذا لم تتمكن من تمكين عامة الناس والشباب على وجه الخصوص من استعادة الثقة في بلدهم وفي مقدراته وفي إمكانية العيش فيه في المستقبل.
لقد بات واضحا اليوم فشل السياسات المختلفة في إقناع فئات واسعة من المجتمع أنَّ ما تقوم به البلاد هو الحل. لم تعد أي من التدابير مُقنِعة ولو حملت معها بعض النتائج، سواء تعلق الأمر بالشغل أم السكن أم الصحة أم التربية أم غيرها من القطاعات، دون الحديث عن السياسة والديمقراطية والتمثيل الشعبي والتداول على السلطة التي كادت تُصبح من الخرافات… لذا، فإنه ليس من باب التهويل أو التخويف القول إنه لم تبق لنا الكثير من الخيارات لمنع هذا التوجه العام الذي أصبح يُهيمن على العقلية الجزائرية شعوريا أو لا شعوريا، وأولها الخيارات السياسية.
ولعل هذا ما يجعلني أكاد أجزم بأن الخيارات القادمة ستكون مفصلية في تاريخ بلادنا، إما أن تعيد إحياء روح الأمل في الناس، لتنتعش بعد 05 أو 10 سنوات من الآن، أو تُكرِّس الإحباط واليأس الذي ليس بعده سوى مزيد من التدهور والانحطاط بل والصعوبات والأزمات…
لقد تبين الآن ومن خلال مؤشرات عدة (الرغبة في مغادرة البلد، ازدياد الوعود الكاذبة، عقم الخطاب السياسي، تكلس الرموز القيادية، غياب الإبداع والتجديد في الأفكار والمشاريع والفنون والآداب، انتشار الأفكار الشاذة باسم الدين أو الحرية، انعدام الرؤية بعيدة المدى الواثقة في المستقبل، ضعف الاستجابة للتحديات وعدم الاكتراث لها… إلخ)، أننا في حاجة إلى تصحيح المسار بهدوء وبنظرة بعيدة المدى بعيدا عن كل تهويل أو تقليل من شأن الحالة التي نحن عليها… ذلك أننا بالفعل في مفترق طرق: إما تصحيح المسار واستعادة الثقة في المستقبل، أو الاستمرار في وهْم بناء بلد يرغب الجميع في الرحيل عنه.

مقالات ذات صلة