الرأي

قراراتٌ إدارية هدمت المدرسة الجزائرية

أوحيدة علي
  • 2312
  • 4

بادئ ذي بدء أشكر وأقدّر ما قامت به نقابتا (ساتاف) و(كناباست) من تحليل نتائج الفصل الأول، ومقارنتها أيضا بين علامات الفروض وبين علامات الاختبارات، وما استنتجته من تقييم عملي وميداني لا يرقى له شك، لأنه حقيقة من الحقائق التي لا تُعدّ ولا تُحصى؛ حقيقة تباين كبير بين علامات الفروض والاختبارات نُشرت في إحدى الجرائد يوم 16/12/2021.

لو أضافت النقابتان محورا آخر خصصته لمساءلة التلاميذ والطلبة في الأطوار الثلاثة لتوصلت إلى نتائج كارثية تكشف من يريد الإطاحة بهذا الجيل الذي سوف يكون مسؤولا عن حماية الجزائر وتطورها، بل تكشف من يريد المهانة والذل للجزائر التي ضحى عليها مليون ونصف المليون من الشهداء بقرارات إدارية هدفها الوحيد إضعاف المنظومة التربوية، ليستغل هذا الضعف ذريعة لإدخال منظومة أخرى الهدف منها تجريد الجزائريين من هويتهم، ووحدتهم، وتاريخهم، وحضاراتهم، ولغتهم، وإسلامهم، وعاداتهم من جهة، ونشر ثقافة التفرقة والحقد وتمزيق نسيج الأسرة من جهة ثانية، والتمييز بين منطقة وأخرى، وإحياء نعرات العائلة والقبيلة والعروشية من جهة ثالثة، بغية طمس حدود ومعالم الدولة، والأدلة على هذا كثيرة ومتشابكة أذكر منها على سبيل المثال:

Ÿ قرارات انتقال تلاميذ السنة الأولى إلى الثانية مهما كان مستواهم بحجة أننا لا نستطيع تقييم الكفاءة في سنة واحدة، ولما جاءت الوزيرة السابقة بن غبريط رمعون سنّت قرارا آخر يفرض انتقال تلاميذ السنتين الأولى والثانية مهما كان مستواهم التعليمي قصد قتل البذرة في التراب قبل خروجها من الظلام إلى النور.

Ÿ اقتراح تدريس العامّية في السنتين الأولى والثانية لتقضي على جذور اللغة العربية في المستقبل القريب، وحذف التربية الإسلامية في المستقبل البعيد، بعد دمجها في السنتين الأولى والثانية مع التربية المدنية واللغة العربية حتى تمحى معالمها وتصبح ثقافة عادية، بل عبارة عن خرافات وأمثال وقصص يرددها عامة الناس في المقاهي والأسواق والملاهي… الخ، ولهذا حذفتها من المسابقات التي تنظم بين الثانويات.

طالبت الوزيرة السابقة، وكذلك بعضُ النقابات بإلغاء امتحان السنة الخامسة، ولما فشلت في الأمر لجأت إلى فكرة جهنّمية لا يتفطن إليها الجن والإنس، وهي امتحان تلاميذ السنة الخامسة في مؤسساتهم، لنوفر لهم الراحة النفسية، والظروف الملائمة، ونخلّصهم من مشاكل النقل والتنقل، ونصَّ هذا القرار على وجوب بقاء مدير المدرسة في مؤسسته والطاقم الإداري له، وسوف يحاسَب كل مدير على النتائج الضعيفة.

Ÿ أما اللغة الفرنسية المبجلة على العربية في خطاب المسؤولين، والوثائق الإدارية والمؤسسات العمومية والخاصة، والمحلات التجارية فلا ينبغي تعليمها بالعامية، فهذا قولها في جريدة “الخبر” أثناء حوار يوم: 05/08/2015، حين قالت إن “الفرنسية وتكنولوجيا الإعلام شرطان للتوظيف في التربية”.

Ÿ قرار كتابة الأعداد والعمليات الحسابية من اليسار إلى اليمين، وقد أثر هذا الاتجاه على التلاميذ، ولذا يكتبون (الفتحة- الكسرة) من اليسار إلى اليمين.

Ÿطالبت الوزيرة السابقة، وكذلك بعضُ النقابات بإلغاء امتحان السنة الخامسة، ولما فشلت في الأمر لجأت إلى فكرة جهنّمية لا يتفطن إليها الجن والإنس، وهي امتحان تلاميذ السنة الخامسة في مؤسساتهم، لنوفر لهم الراحة النفسية، والظروف الملائمة، ونخلّصهم من مشاكل النقل والتنقل، ونصَّ هذا القرار على وجوب بقاء مدير المدرسة في مؤسسته والطاقم الإداري له، وسوف يحاسَب كل مدير على النتائج الضعيفة، إنه منطقٌ مقلوب: فالأستاذ يُعلِّم، والمدير يُحاسَب، والهدف من هذا هو: عليك أيها المدير أن تتساهل مع الحراس، وأن تساعد تلاميذك بأي طريقة كانت حتى لا تتعرض للعقوبات، أي يمكن كتابة الإجابة على السبورة، ومن أراد التأكد من هذا يسأل التلاميذ، ويتأمل نتائج جميع المؤسسات. ليستنتج أن هذا القرار مِعولٌ من المعاول الهدامة لأبنائنا، بل للجزائر، والسؤال: هل انتبه أصحاب الميدان إلى هذا أم أن الأمر لا يهمهم لا من قريب ولا من بعيد؟ عجيب أمر هؤلاء! والأعجب من يمثلهم! والأعجوبة من يؤيدهم!

Ÿ الوزيرة رحلت، ولكن مشروعها يطبَّق في الميدان بعدها، لأن إلغاء (السانكيام) تحايلٌ على المادة: 49 من القانون رقم: 08-04 المؤرَّخ في 15 محرم 1429 الموافق لـ23 يناير 2008، المتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية، بحجة أنه كان عبئا على التلاميذ، وتصبح شهادة شرفية، أي لا معنى لها، لأنها لا تهم الأستاذ ولا التلميذ ولا الوليّ، ليعمّ الجهل والتجاهل ويتحقق الهدف المقصود، هدف استكمال مشروع الإصلاحات، وتطبيقه تطبيقا كاملا يصعب التراجع عنه، أو استبداله، أو إصلاحه. إنها حجة واهية وملهاة للمجتمع وأصحاب الميدان ليعمل أصحاب المشروع في هدوء وهناء حتى يصلوا إلى نهاية ما تم تسطيره منذ عقود وعقود…

Ÿ والبرهان على هذا الاتجاه يحتم عليّ القول: إن إلغاء امتحان السنة السادسة من المدرسة الأساسية في التسعينيات واستبداله بقرار تضمنُ كل مدرسة بموجبه انتقال منها 85% أدى إلى تهاون المعلّمين والمديرين والتلاميذ والأولياء إلى درجة أصبح ينتقل إلى المتوسط كل من لا يفرِّق بين الاسم والفعل، ولا يستطيع انجاز عملية جمع بسيطة، ومن أراد التأكُّد من هذا عليه أن يرجع إلى أرشيف التعليم المتوسط إذا لم يُحرق أو يُتلف حتى لا تظهر الحقيقة ويُكشَف أصحاب المعاول.

Ÿ وهذه القرارات لم تكن في عهد الإصلاحات، بل بدأ تنفيذُها بسنوات قبلها، مثل قرار غلق أكثر من ستين معهدا تكنولوجيا على مستوى الوطن، وإدخال بيداغوجية الأهداف لطمس معالم المدرسة الأساسية والتمهيد (للمقاربة بالكفاءات) التي أتى بها أصحابُ المشروع من (كندا) كتمويهٍ وخديعة للجزائريين لكي لا يثوروا على أصحاب المشروع إذا أتوا بها من فرنسا، والسؤال: لماذا لا يُفتَح نقاشٌ في وسائل الإعلام والجرائد بين أصحاب الميدان، والمختصين في التربية وعلم النفس، وكل خبير تربوي، وكل من له صلة بالتربية والتعليم، دون تهميش للمجدِّين الصادقين، والاحتفاظ بالمتملقين والمتزلفين والمؤيّدين والمطبِّلين من أصحاب الميدان والنقابات؟ أما الأحزاب المدجَّنة فهي التي أدت بالبلاد إلى الهاوية، لأنها أيدت الإصلاحات الكاذبة، وساندتها، بل حضنت جميعَ المفسدين في جميع المجالات ليتكاثروا، كما تحضن الدجاجة بيضها ليتكاثر أفراخُها.

مقالات ذات صلة