-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

قل سأتلو عليكم منه ذكرًا

أبو جرة سلطاني
  • 777
  • 0
قل سأتلو عليكم منه ذكرًا

المعجز في هذه القصّة أنّ الله -جل جلاله- كشف أنّ اليهود، الذين سألوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذي القرنيْن يعرفون الجواب عن سؤالهم، فأمر الله رسوله بإخبارهم أنه سيقصّ عليهم من قصّته ما يذكّرهم بما هو مكتوب عندهم في التّوراة ليعلموا أنّ الذي قصّ شيئًا من أخباره على نبيّهم موسى -عليه السّلام- هو الذي سيقصّ عليهم مزيدًا منها وحيًا على أخيه محمّد -عليه الصّلاة والسّلام-، فهما رسولان يتلقّيان الوحي من مشكاة واحدة ومن مصدر واحد لا تعاند بينه ولا تضادّ.

 فما سيتلوه عليهم خاتم الرّسل هو ذكْرٌ لمن نسي أخبارَ القرون الأولى، وهو وتذكيرٌ لمن آمن بما جاء به موسى -عليه السّلام- وكفر بما أنزل على أخيه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-. فكلتا القصّتيْن من عند الله ولكنّ كثيرا من النّاس لا يفقهون عن الله حديث الوحي: ((قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)) (النّساء: 78). فلا تَعانُد بين ما في التّوراة، قبل تحريفها، وما في القرآن المجيد، كتاب الإنسان ودليله الهادي إلى حركة الحياة كلّها والشّاهد على نيّاته وأقواله وأفعاله إلى يوم البعث. وهو خصيمه أو شفيعه يوم العرض والحساب.

أمّا وقد سألك هؤلاء عن ذي القرنيْن قل سأقرأ عليكم شيئا من سيرته ذكرًا من ربّي. ولفظة “الذكْر” تأتي غالبا في سيّاق التّذكير بأمر كان معلوما لكنّ الغفلة محت آثاره أو نقلته من بؤرة الّعور إلى هوامش النّسيان فلم يعد يحتلّ الأولويّة المطلوبة في حضور النّاس أو في شعور صاحبه.

من معاني الذّكر: استحضارُ المذكور في بؤرة شعور الذّاكر. ومن معانيها جريان اسم المذكور وصفته على قلب الذّاكر ولسانه فلا يُنسَى. وأهل الذّكر هم أهل الحضرة الذين يحفظون أمانة العلم بما يذكّر النّاس بالحق الذي علِموه عن ربّهم من الآيات والذّكر الحكيم: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (النّحل: 43)؛ فالإنسان ينسى ما تمّ تداوله وإذاعته في النّاس، ويغفل عن جوهر ما يصير له عادة، فإذا صارت الحاجة إليه ماسّة أحدث الله ما يذكّره به ليعْلمه الجاهلون ويتذكّره الغافلون ويتأكّد من صحّته ودقته المرتابون، وتزيغ عنه أبصار الذين هم عن حسابهم في غفلة معرضون.

فالذين ينسون أُخراهم في السرّاء يذْكرونها في الضرّاء إذا حلّت بهم قارعة. ثمّ يُصرفون عنها بما بين أيديهم من زينة الحياة الدّنيا، فإذا جاءهم منها ذكرٌ متجدّد سخروا منه ولجّوا في عتوّهم يضحكون: ((مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)) (الأنبياء: 2). فيتنزّل الوحي ليذكّرهم أنّ الله حقّ. وما تنزل به جبريل -عليه السّلام- على محمّد -عليه الصّلاة والسّلام- حقّ. وأنّ التّذكير بالحقّ يحتاج إلى قلب مؤمن ينتفع به، وإلاّ فالانتظار أولى بالغافلين حتّى يُتلى عليهم من ربّهم ذكرٌ، أو يُحدث الله لهم ما يذكّرهم بما كانوا عنه معرضين.

فإذا توالت أذكار الله وغفلوا عنها لن تنفعهم معذرتهم يوم الحساب: ((وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ(168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169))) (الصّافات: 167- 169). فقد جاءهم ذكر الأوّلين فما انتفعوا به وما كانوا من عباد الله الصّالحين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!