الرأي

قمم ما قبل القمة

عمار يزلي
  • 1029
  • 0

قبل أقل من خمسة أشهر من الانعقاد المرتقب للقمة العربية بالجزائر في الفاتح من نوفمبر المقبل، والتي سيكون لمّ الشمل والقضية الفلسطينية على أوليويات أجنداتها، تتسارع الأحداث في ربع الميل الأخير من السباق نحو إنقاذ الاحتلال من أزمتة العضوية والبنيوية وحتى الوجودية التي باتت على المحك.

في هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للكيان المحتل وللملكة العربية السعودية مع تعريجة لـ45 دقيقة على البيت الفلسطيني في رام الله، بعد 3 أيام خصّصها فقط للكيان المحتل. جولة تأتي رغبة في إدارة الديمقراطيين، باعتبارهم يحوزون 75 بالمائة من أصوات الناخبين اليهود في الولايات المتحدة، في تعزيز حظوظ الحزب الديمقراطي في تجديد الكونغرس النصفي ولكن أيضا تحضيرا لرئاسيات 2024، التي بدأت تُظهر ملامحُها أن الحزب الديمقراطي ممثلا بالرئيس بايدن ليس في أحسن رواق لما أصاب البلد من وهن جرّاء تضخُّم وصل إلى أُذن بايدن وهو يصل إلى الكيان العبري بأنه وصل إلى 9%، شيء لم يسبق له مثيلٌ منذ عقود.

“إعلان القدس”، الموقع بين الطرفين الأمريكي والكيان الإسرائيلي، مجرد تدفئة للعلاقات وتسخين للمشهد الصوري والبروتوكولات أكثر ما هو حقيقية واقعية. الكيان يعاني من التفكك الداخلي، لهذا نجده يتوعد ويصرخ ويطالب في كل المنابر وفي كل المناسبات بلجم إيران ويهدد ويتوعد بالحرب، ما فتئت الإدراة الأمريكية تنهاه عن الفعل لأنها تعرف حجم إيران وما قد يسفر عنه الوضع في حالة انفجار حرب معها تضاف إلى تلك الحاصلة اليوم في أوكرانيا.

أمريكا والكيان، يعرفان أن القضية الفلسطينية مع حملة التطبيع قد لا تأتي أُكُلَها مع تنامي قوة وسطور المقاومة في فلسطين كلها من غزة إلى الضفة وفلسطينيي عام 48، وفي الشتات ولكن أيضا في دول جبهة المقاومة، لهذا فهي تعمل على ملفّين أحلاهما مرّ: ملف الاحتلال المهدَّد بالزوال، مما يعني نهاية العهد الأمريكي في الشرق الأوسط، وملف النفط والطاقة العالمية وتخريب العلاقات العربية الروسية التي جاءت متأخرة بعدما خرب الديمقراطيون أواصر ما بناه ترمب قبل رحيله وقبل عودته المحتملة بعد عامين.

يبدو أن استقبال الرئيس الأمريكي في المملكة العربية السعودية لن يكون بتلك الحفاوة التي حظي بها ترمب، حتى إنه بورتوكوليا، وقبل وصول الرئيس الأمريكي، كان قد أشير إلى أن من سيكون في استقباله هو نائب أمير منطقة مكة المكرمة وليس الملك سلمان.. وهي إشارة إن حصلت، ستؤكد أن الجولة الأمريكية فاشلة من بدايتها ولا تعكس الزخم الإعلامي والنتائج التي يعوِّل عليها بايدن في لجم الروس والضغط الأقصى عبر العقوبات وعبر تسقيف النفط الروسي وعبر كل الآليات التي لم تفلح حتى الآن في ثنْيِ الروس عن تنفيذ المهمة التي جاؤوا من أجلها، بل إنها فاقمت الأزمة عالميا في أوروبا وفي أمريكا حتى قبل روسيا. حرب عالمية اقتصادية إيديولوجية، يبدو أن الغرب ينفذها إلى آخر أوكراني وإلى آخر سنت في جيوب المواطن الغربي، والأشهر والأسابيع القليلة المقبلة وحتى الخريف ستكون كفيلة بإبراز ما يخفيه الروس ما تبقّى في جعبتهم في أوكرانيا، فقد قالها بوتين قبل أيام وبالفم الملآن: “سمعت البعض منهم يقول إنهم يريدون هزيمتنا عسكريا.. فليجرِّبوا إذن.. نحن لم نبدأ عملنا هناك (أوكرانيا) بشكل جدّي بعد”.

مستقبل القضية الفلطسينية، صحيح أنه سيتأزم وسنشهد مزيدا من التضييق والحصار والخنق السياسي والاقتصادي والعسكري والاحتلال لكثير مما تبقى من الأرض عبر المستوطنات وسياسة التهويد، لكن القادم نراه أسوأ للكيان العبري ولمن يدعمونه، وحتى لمن يطبِّعون معه اليوم ويرمون له طوق النجاة ويسعون إلى تحالفات معه ضد الجيران وضد القضية الفلطسينية نفسها. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.. فالمنطقة لم تعُد كما كانت، والوضع الجيو سياسي تغيّر إلى غير رجعة، وهو آخذٌ في التغيُّر والتشكُّل على نحو سيجعل الكيان معزولا أو محميًّا من قوة عالمية لم تعد عالمية، بعد أن تكون قد فقدت قدرتها على الردع مع تصاعد قوة الروس والصينيين وحلفائهم، ولا نستبعد بروز حلف عسكري على أنقاض وارسو.. واللبنة الأولى موجودة وقد تتطور لتصبح أكبر.

كل هذا، يُنذر بتصادم عالمي على أوسع نطاق، ولكن ضرورة الدفع بالصراع على قاعدة من يتألم الأول وطريقة كسر العظام، لتصل إلى الذورة.. ستكون حتمية في نظرنا لأنه بعد هذا فقط، الوضع العالمي قد ينفرج أو ينفجر.. لا قدّر الله.

مقالات ذات صلة