-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قناة تلفزيونية في كل حقيبة!

قناة تلفزيونية في كل حقيبة!
ح.م

يختلف الجزائريون، في تقييمهم لظاهرة فتح بعض الشباب لصفحات أو قنوات على “اليوتوب”، يقدمون من خلالها أنفسهم، وفي الغالب يتناولون الآخر، ما بين من يعتبرها حالة صحية تؤكد ممارسة الشباب للإعلام الذاتي ومسايرة التطوّر التكنولوجي، وبين من يضعها ضمن القائمة الطويلة من أعراض مرض البؤس الذي يئن تحت وطأته الجزائريون، ويرونه دليلا قاطعا على انقطاع حبل الودّ ما بين السلطة والشعب، فصار كل من يشعر بـدوار الرأس بسبب “الحقرة” من سلطات بلدية أو من حكم قضائي أو حتى من عامة الناس، يُطلق قناة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليدافع عن نفسه أو لتلطيخ صورة الآخرين بقليل من الحقائق وكثير من التهويل.

ما يحدث هنا، وجد صداه هناك، فقام العديد من الجزائريين في المهجر، بفتح قنوات يخاطبون عبرها جزائريي الداخل، من دون أن يعرف الناس لهؤلاء سيرة ذاتية ولا مستوى تعليميا ولا خبرة حياتية، خاصة في ميدان كرة القدم التي انتشر متابعو تحاليلها عبر “اليوتوب”، والتي هي في الغالب قنوات تردّ على ما يبث في القنوات التلفزيونية الخاصة، بين مدافع عن لاعبي المهجر، ومنتقد للسياسة الرياضية الجزائرية.

وما زاد في اتساع رقعة هذا العمل الإعلامي الموازي هو المتابعة القانونية لبعض المشاهير من فنانين ولاعبي كرة وإعلاميين في قضايا تتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ تحولت في رمش “النت” هذه المتابعات إلى قطرة أفاضت كأس “اليوتوب”، حتى صار لكل مواطن قناته الخاصة، يمارس عبرها المحاماة تارة، والخطابة أخرى، والنصح والدعوة أحيانا، وربما حمّاما شعبيا يُغسّل فيه “أبدان” الآخرين.

ومن الغرائب أن بعض مشاهير الجزائر في السياسة وفي الرياضة لا يتردّدون عن تقديم حواراتهم لهذه القنوات الموازية، إلى درجة أن رياض محرز، الذي يرفض محاورة تلفزيونات كبرى في العالم، استجاب لجزائري مهاجر عابر سبيل في شوارع لندن وقدّم له تصريحا، ما كان ليناله إعلاميون رسميون، حتى ولو دفعوا من أموال مؤسساتهم.

في الجزائر فشلت الدولة في تنظيم التجارة ومراقبة الأسعار والاستفادة من نظام الضرائب، وهي تعترف الآن بأن ثمانين بالمائة من المواطنين يقتنون بضاعتهم من ممارسي التجارة الموازية، الذين لا يدفعون ثمن كراء ولا ضرائب، وفشلت في توفير الظروف الملائمة لقيام أحزاب معارضة، تقدّم الفكرة والبديل، وهي تتجرع الآن هذا الفراغ الذي أفرز ساسة “اليوتوب” وفشلت في تنظيم التربية والتعليم، فصار في كل بيت مهجور مدرسة موازية يجني منها ممارسوها الأموال وتجني الدولة “الريح”، وعجزت عن تقديم رجال دين أكفاء وموثوق في علمهم، فصارت الفتوى تسيح في الشوارع، وتتحوّل أحيانا إلى وبال يكتوي بناره الشعب، ولأنها عجزت أيضا عن تأسيس إعلام عام محترف، وخاص من دون وصايتها، لجأ الجزائريون لمتابعة هذا الإعلام الموازي العابر للقارات، وانتشر بشكل مريع حتى صار يحمل في الحقائب ليقدّم الصواب الذي لا أحد يمكنه الجزم بأنه خطأ، وحتى الخطأ الذي لا أحد بإمكانه الجزم بأنه صواب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابن الشهيد

    قلت فأصبت ،سمعت في درس احدى الجمعات لأمام شاب خريج الجامعة الأسلامية حول سؤال في التجارة فقال حرفيا" التاجر له الحق في البيع كما يشاء" لا تحديد لهامش الربح مادام الزبون راض بدالك ، الطامة الكبرى لم يقف عند هدا بل أستشهد الرسو صلى الله عليه وسلم ببائع نعجة فربح فيها المئة في المئة فقال هدا الأمام الشاب أن الرسول "بارك له فيماربح" صحيح أصبحنا نسمع فتاوي في الشارع عبر الشاشات ووو لتنويم الخلق

  • franchise

    الظاهرة تخص العالم كلّه، و لا نستطيع وضع الّلوم كلّه على الدولة في هذه القضيّة، فهذا رؤية سطحيّة للأشياء