قنبلة موقوتة بالجنوب
تصاعدت في الأيام الأخيرة الحركة الاحتجاجية لشبان الجنوب على خلفية معضلة التشغيل التي لم تجد بعد طريقها إلى الحل النهائي برغم التعليمة الشهيرة التي أصدرها رئيس الحكومة عبد المالك سلال في مارس 2013 لمعالجة الخلل الحاصل في التوظيف بالشركات النفطية والغازية بالجنوب ومنح الأولوية لشبانه.
وبرغم وضوح تعليمة سلال وضوح الشمس، إلا أن الكثير من شبان الجنوب يتهمون الشركات النفطية بالتماطل في تطبيقها والاحتيال عليها وعرقلتها وجلب أغلب العمّال من الشمال، ما أفضى إلى تصعيد احتجاجاتهم من خلال الاستمرار في غلق الطرقات وحجز شاحنات الوقود وقارورات الغاز والتهديد بتفجيرها… ومنذ أيام فقط، أقدم المئات من شبان رڤان على الاعتصام أمام شركة وطنية بصحراء “تنزروفت” و”احتجاز” عمّالها القادمين من شمال الوطن، أسبوعاً كاملاً، ولم يطلق المحتجّون سراحهم ويسمحوا لهم بالمغادرة إلا بعد الحصول على وعود من الشركة بتوظيف 65 شابا منهم.
ويقول متتبعون لملف التشغيل بالجنوب إن الكثير من شبانه يمارسون الضغط عن طريق الاحتجاج في الشارع للعمل في المؤسسات البترولية دون أن يحوزوا على مؤهلات وتكوين عملي، وهو أمرٌ لن تقبله خاصة الشركات الأجنبية التي تشترط المؤهلات العالية ولا تؤمن بالوساطات و”المعارف”، ويقولون إن تعليمة سلال تحتاج إلى سنوات لتطبيقها بعد أن تنتشر مراكز التكوين في مختلف التخصصات النفطية بمدن الجنوب، لكن الملاحظ في هذه القضية أن شركة التنقيب المعنية توظف 165عامل، لا يحظى فيها شبان رڤان سوى بـ8 وظائف فقط، ولا نعتقد أن البقية، أي الـ157 عامل الذين جُلبوا من شمال الوطن، كلهم مهندسون وإطارات ذات مؤهّلات عالية في التنقيب ومختلف التخصصات، بل فيهم حراسٌ وطبّاخون وسائقون وعمال بسطاء في مختلف المواقع، ولا نعتقد أيضاً أن الشركة المعنية عجزت عن إيجاد من يشغل هذه الوظائف البسيطة في رڤان، فجلبتهم من الشمال، بدليل أنها استجابت لضغوط شبان رڤان والتزمت بتوظيف 65 منهم، وقد كان بإمكانها أن تفعل ذلك منذ البداية وتجنب المنطقة شرّ التوترات لو لم يكن في الأمر شبهة المحاباة.
ونودّ أن ننصح إخواننا في الجنوب بأن يبتعدوا عن كل ما من شأنه أن يثير الحساسيات والنعرات الجهوية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد؛ فقد طالب الشبان المحتجون برڤان عمالَ الشمال بالرحيل ليحلوا محلهم، وقد كان بإمكانهم السعي إلى العمل في الشركة القريبة منهم دون المطالبة بقطع أرزاق إخوانهم، وكذا مطالبة السلطات بمحاسبة هذه الشركة على تجاوزاتها وتجاهلها لتعليمة سلال، والتطبيق الصارم للتعليمة في أي حصص توظيف مستقبلاً في الشركات العاملة بالمنطقة، لأن آبار النفط تقع بمنطقتهم ومن حقهم أن يحظوا بالأولوية في التوظيف، ولكن دون غلق الباب أمام إخوانهم القادمين من الشمال طلباً لقوت أطفالهم.
لقد أصبح ملف التشغيل بالجنوب أحد العوامل المغذية للتوتر الاجتماعي بالمنطقة، وتحوّل إلى قنبلة موقوتة ينبغي مواصلة السعي إلى تفكيكها من خلال الحرص على تطبيق تعليمة سلال ما أمكن، أما إذا استحال توظيفُ كل شباب الجنوب بالشركات النفطية، كما تقول الحكومة، وهو طرحٌ يبدو منطقياً، فإنها مطالبة بتوفير بدائل أخرى، ومنها بعث مخطط تنموي طموح بالمنطقة يوفر المزيد من مناصب الشغل لشبابها والتنمية لسكانها لتحصين البلد في ظل تصاعد القلاقل والاضطرابات في دول الجوار.