الرأي

قوم “غروشو” في بلادنا …

محمد سليم قلالة
  • 2829
  • 6

أحيانا ينتابني شك بأن الذين لم يفكروا في مستقبل الأجيال إنما يتبعون منطق “غروشو ماركس” أحد الأمريكيين من القرن الماضي الذي لخص فكرته عن عدم الحاجة إلى التفكير في الأجيال القادمة بالعبارة المثيرة التالية: “ماذا قدمت لي الأجيال القادمة حتى أهتم بمستقبلها؟”

عندما أتمعن في هذه العبارة ينتابني نوع من الخوف حقا. ماذا لو أن هناك من يفكر عندنا بهذا المنطق ويقول: أنا الآن أستمتع بخيرات الجزائر إلى أقصى ما أستطيع ولا يهمني مصير الأجيال القادمة، لأنها لن تقدم لي شيئا.

التفكير بهذا المنطق يؤدي بالضرورة إلى النتيجة الحتمية الوحيدة التي تقول: ما دمت  تحتكر الحاضر وتمنعني من  المستقبل، إذن سأفنيك لأنتزع منك مستقبلي.. وهذه النتيجة تعلن بكل بساطة الحرب بين الأجيال.

لعل هناك فئة من الجيل الحاكم اليوم لا تدري أنها بعدم التفكير في مستقبل البلاد إنما هي تفكر بمنطق “غروشو”، ونتيجة هذا المنطق واحدة: لا تبقي ولا تذر.

والأخطر من ذلك أن تكون قد نقلت هذا النوع من التفكير إلى بعض الفئات من الجيل الجديد التي أصبحت ترفع شعار: أريد أن أعيش (حقي في البترول) لا يهمني المستقبل، ولا تحدثوني عن التضحية التي تعني الآخر والأجيال القادمة، نحن لا تهمنا الأجيال القادمة، إننا سنقول مثل “غروشو”: ماذا سيُقدم لنا من سيولد بعد اليوم؟

بدت لي هذه الأفكار وأنا أشرع في قراءة التقرير الذي وضعه “جاك أتالي” أمام الرئيس الفرنسي في السنة الماضية عن الاقتصاد الإيجابي، والذي مفاده أن فرنسا والبلاد الرأسمالية ستنتهي إلى كارثة إذا لم تتم مراجعة  المبدإ الاقتصادي لليبرالية القائم على الفردية والربح الآني، واستبداله بمبدإ يقوم على مراعاة المدى البعيد القائم على التعاون بين الأجيال، والعقلانية، والأهم من ذلك على حب الآخرين ونبذ الأنانية… وكل تلك القيم التي هي في الواقع النقيض الأساسي للرأسمالية الحالية ولاقتصاد السوق وللحضارة المادية.

وسألت نفسي: أليست هذه عودة إلى الأخلاق والقيم عند الرأسماليين؟ أليست هذه صحوة دينية بمفهومنا نحن المسلمين؟ وما الذي أبقانا نحن أسرى مفاهيم دخيلة علينا من أنانية فردية ومادة ومصالح، وكل شيء بيع وشراء، ومقت لقيم التضحية والإيثار وحب الآخرين؟ ما الذي يجعلنا ندفع بأنفسنا إلى الموت بمرضهم بعد أن شرعوا في العلاج؟ بل من الذي لا يجعلنا نتأكد اليوم أن جوهرنا هو الأنقى والأسلم والأصح كمسلمين؟ هل كان آباؤنا يفكرون في أنفسهم عند تحرير البلاد، هل كانت تضحياتهم لأنفسهم؟ هل عرفت أمهاتنا هذا المنطق؟ لماذا يريدون ترسيخه في أذهاننا وهم يقدمون الدراسات لرؤسائهم للابتعاد عنه؟ أليس في ذلك تحضير لنا لكي نقضي على أنفسنا بأنفسنا؟ ثم يسمّون ما نقوم به ثورات؟ ثم يسخرون منا؟

 

  أليس “غروشو” بالأساس أمريكيا ساخرا؟ 

مقالات ذات صلة