-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قوم “غروشو” في بلادنا …

قوم “غروشو” في بلادنا …

أحيانا ينتابني شك بأن الذين لم يفكروا في مستقبل الأجيال إنما يتبعون منطق “غروشو ماركس” أحد الأمريكيين من القرن الماضي الذي لخص فكرته عن عدم الحاجة إلى التفكير في الأجيال القادمة بالعبارة المثيرة التالية: “ماذا قدمت لي الأجيال القادمة حتى أهتم بمستقبلها؟”

عندما أتمعن في هذه العبارة ينتابني نوع من الخوف حقا. ماذا لو أن هناك من يفكر عندنا بهذا المنطق ويقول: أنا الآن أستمتع بخيرات الجزائر إلى أقصى ما أستطيع ولا يهمني مصير الأجيال القادمة، لأنها لن تقدم لي شيئا.

التفكير بهذا المنطق يؤدي بالضرورة إلى النتيجة الحتمية الوحيدة التي تقول: ما دمت  تحتكر الحاضر وتمنعني من  المستقبل، إذن سأفنيك لأنتزع منك مستقبلي.. وهذه النتيجة تعلن بكل بساطة الحرب بين الأجيال.

لعل هناك فئة من الجيل الحاكم اليوم لا تدري أنها بعدم التفكير في مستقبل البلاد إنما هي تفكر بمنطق “غروشو”، ونتيجة هذا المنطق واحدة: لا تبقي ولا تذر.

والأخطر من ذلك أن تكون قد نقلت هذا النوع من التفكير إلى بعض الفئات من الجيل الجديد التي أصبحت ترفع شعار: أريد أن أعيش (حقي في البترول) لا يهمني المستقبل، ولا تحدثوني عن التضحية التي تعني الآخر والأجيال القادمة، نحن لا تهمنا الأجيال القادمة، إننا سنقول مثل “غروشو”: ماذا سيُقدم لنا من سيولد بعد اليوم؟

بدت لي هذه الأفكار وأنا أشرع في قراءة التقرير الذي وضعه “جاك أتالي” أمام الرئيس الفرنسي في السنة الماضية عن الاقتصاد الإيجابي، والذي مفاده أن فرنسا والبلاد الرأسمالية ستنتهي إلى كارثة إذا لم تتم مراجعة  المبدإ الاقتصادي لليبرالية القائم على الفردية والربح الآني، واستبداله بمبدإ يقوم على مراعاة المدى البعيد القائم على التعاون بين الأجيال، والعقلانية، والأهم من ذلك على حب الآخرين ونبذ الأنانية… وكل تلك القيم التي هي في الواقع النقيض الأساسي للرأسمالية الحالية ولاقتصاد السوق وللحضارة المادية.

وسألت نفسي: أليست هذه عودة إلى الأخلاق والقيم عند الرأسماليين؟ أليست هذه صحوة دينية بمفهومنا نحن المسلمين؟ وما الذي أبقانا نحن أسرى مفاهيم دخيلة علينا من أنانية فردية ومادة ومصالح، وكل شيء بيع وشراء، ومقت لقيم التضحية والإيثار وحب الآخرين؟ ما الذي يجعلنا ندفع بأنفسنا إلى الموت بمرضهم بعد أن شرعوا في العلاج؟ بل من الذي لا يجعلنا نتأكد اليوم أن جوهرنا هو الأنقى والأسلم والأصح كمسلمين؟ هل كان آباؤنا يفكرون في أنفسهم عند تحرير البلاد، هل كانت تضحياتهم لأنفسهم؟ هل عرفت أمهاتنا هذا المنطق؟ لماذا يريدون ترسيخه في أذهاننا وهم يقدمون الدراسات لرؤسائهم للابتعاد عنه؟ أليس في ذلك تحضير لنا لكي نقضي على أنفسنا بأنفسنا؟ ثم يسمّون ما نقوم به ثورات؟ ثم يسخرون منا؟

 

  أليس “غروشو” بالأساس أمريكيا ساخرا؟ 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • حبيبة-تلمسان-

    امة "نفسي نفسي "......................................

  • ابو حسام

    استاذي الكريم: هؤلاء القوم شعارهم" احييني اليوم واقتلني غدوة"
    وقول الشا عر:
    غد بظـــهر الغـــيب والــــيوم لــى وكم يخيب الظـن فى المقــــبل ...
    فلا تعجب يا دكتور .

  • عبد القادر

    السلام عليكم
    لن تفعل أجيال المستقبل أي شيء بالبترول و الغاز إذا إستمر هذا الطريق في تدمير المجتمع القوة و الثقافة و العلم هو فقط ما يمكنه إنقاذ المستقبل و أطمئنك أن الدول الرأس مالية حين تنتهي مواردها كالعادة ستجد مواردنا تنتضرها و لن نستطيع منعها أيضا كلعادة يجب علينا إستثمار مواردنا الآن لبناء دولة قوية تستطيع الدفاع عن المستقبل فلا يوجد أي مستقبل لدجاج التريسنتي على قول الشارع

  • المشكاة

    عذرا لكن هذه المقالة لا علاقة لها بمساحة الأمل

  • بدون اسم

    لقد أصبح سائدا اليوم منطق:"أنا و من بعدي الطوفان"؟ سواء الذين هم الفوق أو الذين هم في الأسفل؟ إذا كان هذا هو الحال فما واجب المفكرين و المثقفين من أجل تغيير هذا التفكير و بناء فكر جديد يقوم أساسا على"توجيه الهمم إلى القيام بالواجب..فالمجتمع الذي يرتفع و ينمو هو الذي لديه رصيدا من الواجب فائضا على الحقوق"..(م.ب.ن تأملات)

  • قادة

    لاينتابنا اي شك بان من بيدهم زمام الاموراليوم لايكترثون الالمصالحهم ولذويهم ولازلامهم ولايفكرون فيمن هم اليوم جياع وعريانين وغير متعلمين فما بالك بان يفكروا في الاجيال القادمة.هم لايفكرون فقط كمايفكر غروشو بل هم يفكرون بعقلية على كرشي نخلي عرشي.ومن يفكرهكذا لايهمهم لاالماضي ولا الحاضر ولاالمستقبل.والبرهان على صحة كلامي هوالاجابةعلى الاسئلةالتالية:هل هم احترموا امانة الشهداءمن اجل خيرالشعب والوطن؟هل امنوا لاغلبيةالشعب اليوم الضروريات؟هل هم يفكرون حقا لتحضيررجل الغد؟ليجاوب كل منابصدق مندون لغة خشب