الرأي

كاميرا crachée

عمار يزلي
  • 1555
  • 6
أرشيف

لست أدري، وإن كنت أدري، لماذا يكثر الإقبال وقبول مشاهدة “الكاميرا المخفية” في رمضان فقط! حتى أني صرت أعتقد أنه من دون كاميرا “مخفية” رمضان “غير جائز شرعا”! مع أنه العكس تماما، خاصة مع الكاميرا “المخيفة” التي صرنا نترصد بها بعض الأسماء المعروفة، حتى ولو كانت نكرة، بعدما كنا في السابق نترصد بها المارة والمواطنين!
من أسباب ذلك، وما أكثرها، نقص الإنتاج وضحالة المنتوج والركون إلى السهولة ولو بالضحك على ذقون الآخرين أو ترهيبهم! صرنا نعيش العنف وننتج العنف! الكاميرا المخفية، كانت في الأصل دعابة، حولناها إلى “حرب” نتفنن في كيفية رفع نسبة السكر وضغط الدم لدى طرائدها! والوصول إلى حد الضرب والشتم، في عز رمضان!! برنامج “جيست فور لوف” (للضحك فقط) لدى الإنجليز، ترصد له ميزانية ضخمة لأجل دقائق أو ثوان مسلية لا فيها تخويف ولا سب ولا لعن ولا ضرب! فليس مطلوبا إثارة الأعصاب لكي نقدم فرجة جميلة! أنا متأكد أنه لو مضينا على هذا النحو، “سنفتجئ” يوما بموت شخص بنوبة قلبية أمام الكاميرا “المخيفة”! وعندها لن يقول أحد إنه ليس هناك قتل عمدي! هناك قتل عمدي مع سبق الإصرار والترصد! أتساءل: أين أخلاقيات المهنة في العمل التلفزيوني؟ أين القوانين المحددة لشتم وسب الإنسان للإنسان في التلفزيون ولو لعبا؟ لاسيما مع انتشار القنوات! شاهدت ممثلا يقول “تفوه” أمام الكاميرا!؟ أين الحس وأين الذوق واللباقة؟ وأين أخلاق المهنة والتربية والسلوك والحدود؟ صرنا إذا قرب رمضان ـ وفي كل وقت ـ نسخر من الذوق العام ونخلط خلطات لا هي دراما ولا كوميديا ولا بطيخ! خليط من لاشي في كل شيء من دون شيء، لا فيها خدمة عمومية ولا ثقافة! لا أريد أن أقول “ولا فلسفة”، لأن هذا من عاشر المستحيلات عندنا! يبدو أننا أخرجنا العقل في عطلة وفي تقاعد مجبر، ووظفنا المعاول والألسنة والأحذية لكي”نصوم بها رمضان الكريم”! صوم رمضان؟ تكسير رمضان! نعم! وتكسير رؤوس المشاهدين وأذواقهم ونشر ثقافة الضحالة!
بالتأكيد هناك تجارب جيدة ومقبولة تقدم في بعض القنوات المحترمة التي تعرف على الأقل أنها موجهة لعموم الناس وأن عليها خدمة الذوق، لكن ليس الكل! الكل صار يتنافس على الرداءة مهما كلف ذلك من مال وأعمال وقلة الفهم وقلة العقل!
أتذكر أنه لما كانت هناك قناة عمومية واحدة، كانت المقالب في الكاميرا المخفية ذكية ولم تكن ترقى إلى مصاف هذا العنف والصخب وكان “المستقلب” هو المواطن العادي وليس مناجم “النجوم” اللي هذا ما نجموا يديروا!.. هذاك حدْ قلة الفاهمة!
هذه الحال ليست حالنا نحن فقط: في مصر في تونس في كل الدول العربية، هناك نزوع نحو تدمير الذوق العام وتحويل الفن إلى جرائم! أتذكر أنه حدث في وهران في أيام الأحادية “المجيدة”، أنه نظم مقلب صغير مضحك ضمن الكاميرا المخفية، لرجل وزوجته في الشارع، ولما انتهى التصوير، وقيل للرجل إنك شاركت في الكاميرا المخفية، راح الرجل يتوسل للمخرج والمصور ألا يبث الحصة لأن المرأة التي كانت معه ليست زوجته! وتم حذف الحلقة..
اتضح في الأخير أن الرجل لم يرغب في الظهور بهذا المظهر في كاميرا مخفية، وأن المرأة كانت زوجته بالفعل! وكان هو من قام بمنقلب للمنقلبين!
هكذا صرنا نحن إلى الماضي.. إلى أيام “بلا حدود”، على سطحيتها، وصرنا نرى مسطح الأمس، قمة الإبداع اليوم!!

مقالات ذات صلة