-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كرة القدم.. لُعبة تحوّلت إلى دين!

سلطان بركاني
  • 2030
  • 1
كرة القدم.. لُعبة تحوّلت إلى دين!

لعلّ أهمّ ما يشغل بال كثير من شبابنا وحتّى كهولنا قبيل المباراة النهائية لكأس العالم، هو معرفة بطل هذه الدّورة الثانية والعشرين التي اختير لها أن تجري على أرض مسلمة، وحملت معها قدرا كبيرا من الإثارة، خاصّة أنّها آخر كأس عالمية قبيل اعتزال نجوم كرة القدم الذي أسروا قلوب الشّباب وكانوا ملء أسماعهم وأبصارهم! والمشكلة ليست في الاهتمام والتطلع لمعرفة النتائج ومعرفة الفائز من الخاسر، إنّما في الوله بالكرة وسجن القلب في مستطيل اللعب وسحر العقل بأسماء “النّجوم” وأقدامهم، حينما تصبح الكرة همّا، ويتحوّل التشجيع إلى عقيدة يتعلّق بها الولاء والبراء، حينما تغدو منافسات الكرة إسفينا يدقّ في جسد الأمّة المسلمة الممزّق، وسببا في زيادة الخلاف والفرقة بين المسلمين: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون﴾.

مخطئ من يظنّ أنّ كرة القدم مجرّد لعبة ومتعة تأخذ وقتها ثمّ ينتهي الأمر.. كرة القدم تحوّلت إلى سياسة وتجارة، وثقافة ودين.. أمست وسيلة من أهمّ وسائل التّأثير والتّوجيه، يروَّج من خلالها للأفكار والثقافات، وتكسر بها الحواجز والطّابوهات.. غدت تجارة مربحة للأندية الرياضية، وللاّعبين الذين يفاوضون على أجور خيالية تقدّر بملايين الدّولارات، وكلّ مطّلع على حركة الأموال في هذا العالم يجزم بأنّ “حكومة العالم” لن ترضى بدفع هذه الملايين لقضية خاسرة، إنّهم يدفعونها لأنّهم يدركون أنّ “نجما” من نجوم الكرة المستديرة يستطيع أن يغرس في عقول الشّباب بميوله واختياراته وسلوكه وحتّى بمظهره، ما تعجز عنه كثير من وسائل التّأثير والتّوجيه.. الأمم الأخرى لا تسمح لصفوتها التي تعوّل عليها بأن تُستعبَد للكرة السّاحرة، ووحدها الأمّة العربية هي من تفتح الأبواب على مصاريعها وتوفّر الأجواء لسُكْرٍ عام تصعب الإفاقة من تأثيره.

يقول اليهود في البروتوكول 13 من بروتوكولاتهم: “لكي نبعد الجماهير عن أن تكشف بنفسها أي خط عمل جديد، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومُزجيات الفراغ والمجامع العامة وهلم جرا. وسرعان ما نبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات: كالفن والرياضة وما إليهما. هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتما عن المسائل التي سنختلف فيها معه”.. هذا ما يقوله اليهود في بروتوكولاتهم، وهذه لم تعد خطّة خاصّة باليهود، بل قد أصبحت خطّة ينتهجها كلّ من يريد إلهاء النّاس عن القضايا الأهمّ بالقضايا التافهة، يقول الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي، نقلا عن الوثيقة المشهورة “الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة”: “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وألهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا، من دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى”.

ما من أصحاب دعوة في هذا العالم إلا وهم يسعون لاستغلال منافسات كرة القدم في الترويج لدعوتهم، والمسلمون وحدهم -باستثناء المحاولة الأخيرة- هم من يستحيون من هذا التّوظيف.. في دورة كأس العالم الماضية 2018م التي أقيمت بروسيا، أكثر من 400 كنيسة روسية فتحت أبوابها للوافدين، وطبعت ما يقرب من 250 ألف منشور لتعريف ضيوف المونديال بالديانة النصرانية المحرّفة.. في الدورة التي قبلها 2014م التي أقيمت بالبرازيل، ارتدى 650 ألف مواطن برازيلي نصراني قميص المنتخب البرازيلي ورفعوا شعار: “أنا أنتمي إلى يسوع، أنا بطل كأس العالم”.. حتى بطولة كأس العالم الحالية التي تجري على أرضٍ مسلمة، كان مخطّطا لها أن تكون بوابة لإدخال الشّذوذ والبهيمية إلى بلاد المسلمين، وغزو المسلمين بثقافة الميوعة والانحلال، ورغم وقوف بعض المخلصين في وجه هذا المخطّط وسعيهم الحثيث في استغلال هذه الدورة للدّعوة إلى دين الله الحقّ، ونجاحهم إلى حدّ بعيد، إلا أنّ رسائل العلمانية النّاعمة قد مُرّرت، كما استطاع أحبار الدين العالمي الجديد أن يلفتوا انتباه المسلمين إلى أنّ هناك قضية في هذا العالم هي قضية مجتمع الميم، وهم لن يهدأ لهم بال ولن يفلّ لهم عزم، حتّى تصبح هذه القضية قضية تفرض نفسها في دول المسلمين، وإذا كان علم الشواذّ قد منع في أكثر البلاد، فإنّهم قد قرّت أعينهم وهم يرونه يرتفع في بعض البلدان المسلمة!

ما تحقّق بفضل الله، في دورة كأس العالم الحالية من نجاح في الدّعوة إلى الله والتعريف بالإسلام، خير محمود ينبغي أن يشكر ويثمّن، لكن ينبغي ألا يجعلنا نغفل عمّا يخطّط له جند إبليس من نشر العلمانية ودعوات الحرية الشخصية وتحرير المرأة.. إنّهم يريدون لنا أن ننسى ديننا وقضايانا أمام بريق كرة القدم، ويريدون لعقيدة الولاء والبراء أن تموت في قلوبنا وينسونا قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.. صحيح أنّ تشجيع فريق كرة يمثّل دولة من الدّول لا يعني الولاء لتلك الدّولة، لكنّ مثل هذه المواقف -مع مرور الوقت- ستضعف عقيدة الولاء والبراء في قلوب شبابنا، فلا يكون ولاؤهم لله ولدينه، إنّما لقضايا دنيوية ربّما تكون تافهة.

كأس العالم لهو ولعب، ومن المؤسف أن تصبح عند كثير من شبابنا قضية كبرى تستحقّ أن تثار لأجلها النقاشات الطّويلة، ويحرّش بسببها بين عباد الله المسلمين، وتَسرق من شبابنا أوقاتا طويلة ينشغلون فيها عن واجباتهم.. كأس العالم ينبغي أن تلفت انتباهنا إلى هممنا وهمومنا في هذه الدّنيا كم أصبحت صغيرة! فوا حسرتاه لأمّة تهتاج لهزيمة فريق في مباراة، ولا تهتاج لدينها الذي يحارب في كلّ مكان، ولا تهتمّ بالهزائم المتتالية والمتراكمة التي منيت بها في كلّ المجالات وعلى كلّ الأصعدة: هزائم في التعليم، وفي الصحّة، وفي البحث العلميّ، وفي التسلّح وإعداد القوة، وفي ضمان الحدّ الأدنى من الحقوق…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • خيرالدين من امريكا

    بارك الله فيك. الله يجازبك