-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“كروش” تغرّد.. وشياطين لا تصفـّد!

جمال لعلامي
  • 812
  • 0
“كروش” تغرّد.. وشياطين لا تصفـّد!

لا أدري، لماذا كلما عاد رمضان، عاد الحديث حصريا وفقط -تقريبا- عن “الكروش”، في السياسة والاقتصاد والثقافة والصحافة، وفي المساجد والشارع والأسواق والتلفزيون والسكاتشات والكاميرا المخفية، رغم أن الشهر هو شهر صيام وقيام وعبادات؟

حتى الحكومة كلما عاد رمضان، تجتمع عشيته في اجتماع طارئ واستثنائي، تخصصه لتباحث إجراءات “الماكلة” وتعمير البطون بما لذّ وطاب، فيصبح حديث الجميع عن الأسعار والأسواق.. عن التجار عديمي الذمة، عن السرقة والتطفيف في الميزان.. عن “الزلابية” والشاربات و”المثوّم” و”البوراك”، وتدخل شخصيات الطبخ والمطابخ، بورصة الأسعار، ومنافسة كبار المشايخ والعلماء والأئمة ومقرئي التراويح!

لقد أثرت علينا ثقافة “الكروش” والتفكير بالبطون والشهوات بدل العقول والرغبات المفيدة، ولأن الاستهلاك تحوّل إلى “بضاعة” فقد وُلدت جمعيات للدفاع عن المستهلكين وحمايتهم، ولا ندري الدفاع عنهم عند من وحمايتهم ممن؟ طالما أن كلّ مستهلك هو عدوّ نفسه!

ككلّ سنة، كلما عاد شهر التوبة والغفران، يتأكد الرأي العام، بأن “اللاتوبة” تسكن الكثير من التجار في الجملة والتجزئة، وتصبح الحكومة عاجزة عن محاربة شياطينهم التي لا تصفـّد، في دليل آخر على عجز مفضوح في فرض سلطة القانون على صيادي الفرص ومحترفي الجشع والطمع و”السرقة المهذبة” في الشهر الفضيل!

..أحيانا، تجدنا مضطرين لشكر هؤلاء الطماعين و”المحتالين” على إشعال النار في الأسعار، فباستثناء “وفائهم” لمنطق النتف وضمان “العلف”، يتكرّر في رمضان شعار: “الكلّ صائم.. الجميع نائم”، ولا شيء يوقظ النيّام ويُبطل أيضا صيامهم وحتى وضوءهم، هو الغرق في حديث الأسواق وخزعبلات “المارشيات” التي أصبحت الملتقى المفيد والوحيد لمعشر النساء أيضا، يتزاحمن ويتشاحمن ويُنافسن “بقايا الرجال” على مهمة من المفروض أنها من مهام وصلاحيات الجمع المذكر السالم!

السياسيون في السلطة والمعارضة.. الصحفيون في القطاع العمومي والمستقل، المثقفون، الأطباء، النخبة، المواطنون، وغيرهم، كلهم يستسلمون بالجملة والتجزئة لـ “لغة البطون” في نهار رمضان و”التفراج” في ليله، ولذلك ساد الاعتقاد بأن “ألـّي ماربحش في رمضان مايربحش”، رغم أن المثل الشهير يقول: “ألـّي حبّ يربح العام طويل”!

وتشاء الصدف، أن يتزامن الحديث عن الربح والخسارة، مع الأخطاء القاتلة التي خنقت المترشحين لشهادة البكالوريا، فقد اختلط حابل نزار قباني مع نابل محمود درويش في موضوع اللغة العربية، وتكلم المترشحون عربي وفرنسي وصيني وبكلّ اللغات، بعد ما نـُشرت أيضا الأسئلة على “الفايسبوك” دقائق قليلة بعد انطلاق الامتحانات رسميا.

ولأن ضربة شمس كافية لتدويخ أيّ امرأة، فقد اعتبرت الوزيرة بن غبريط تلك الأخطاء “الجسيمة” بأنها “بسيطة” ودعت إلى عدم التضخيم.. والحمد لله أن هذه “المهازل” لم تـُرتكب خلال الشهر الفضيل، وإلاّ لمسحت “الستّ نورية” الموس في سيدنا رمضان بدل أن تمسحه مسحا في ديوان المسابقات والامتحانات، التي اتهمته بخطأ اللغة العربية وبرأت وزارتها، وكأن هذا “ديوان الصالحين” تابع لوزارة الطاقة أو البيئة!

..اللهمّ إني صائم، فسماع مثل هذه التبريرات، تجعل المنرفز “ياكل رمضان” والعياذ بالله، فمثل هذه الرقصات لا تختلف عن شطحات وزارتي التجارة والفلاحة، حيث تتهم كلا منهما “ضرّتها” وتدّعي زورا وبهتانا بأنها صاحبة الفضل في إشعال النار في الأسعار والعجز عن حماية بقايا المستهلكين الذين أصبحوا يشكون لله، فالشكوى لغير الله مذلة!

هكذا نحن، جميعنا “مرمضن”، الوزراء والأحزاب والنواب والتجار والمواطنون.. الكلّ يعمل، لكن الكلّ في عطلة مدفوعة الأجر.. هروب مبكّر، وسرقة للوقت.. تكاسل وتماطل وتسكـّع على أرصفة الورشات والمشاريع والإدارة والمصانع ومختلف المؤسسات، و”المتهم” سيّدنا رمضان الذي يبقى بعيدا عن كلّ هذه التهم والشُبهات!


حاشا رمضان وحاشا.. من كلّ هذا النصب والاحتيال، والتصريحات الاستعراضية والفلكلورية والقفز بالزانة، والغريب أن حتى الأئمة لا يتحدثون عن “البزنسة في التراويح” وتفريخ سماسرة بيع وشراء المقرئين وتصديرهم من جامع لآخر، ومن ولاية لأخرى، إلاّ عندما يعود شهر الصيام والقيام.. فعلا إنها ظاهرة “ماد إن ألجيريا”، على الباحثين والأكاديميين تحليلها، ومناقشة إصابتهم هم كذلك بهوس “الصوم والنوم”!

هي أزمة عقليات ومحنة مفاهيم، علينا أن نحاربها ونستأصلها من جذورها، حتى تسلم الجرّة في كلّ مرّة، ولا نستسلم لنداء “البطون” ومنفذ “مسح الموس” في أيّ “طرشونة” تكون قريبة منّا.. اللهمّ تقبّل صيامنا وقيامنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منّا وبنا.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!