الرأي

كلّنا محمّد

سلطان بركاني
  • 2260
  • 21

ماذا نقول، وماذا عسانا نكتب؟ هل تكفي كلمات أو عبارات تنشر على صفحات الجرائد لكشف الغمّة وابتلاع الغصّة التي سيجدها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في ساعات هذا اليوم الذي أبت فيه صحيفة ساقطة ماجنة لا ترعى حرمة لدين أو خلق أو ذوق، إلاّ أن تتحدّى مشاعر المسلمين، وتعيد نشر كلّ الرّسوم السّاخرة التي كانت قد نشرتها في وقت سابق استهزاءً بنبيّ الإسلام عليه الصّلاة والسّلام؟ ربّما لا تكفي الكلمات والعبارات، ولكن ما الذي نستطيع فعله غير كتابة الكلمات وإسبال العبرات في زمن أصبح التّطاول على المقدّسات حرية يدافِع عنها من لا يعرف الحرية إلا في الاستهزاء بالأنبياء والسّخرية بالمسلّمات؟!

أنتم السّبب يا حكّام العرب

عيون كثيرة ستبكي في هذا اليوم، وألسنة كثيرة ستلهج بالدّعاء، ليس فقط على صحيفةشارلي إيبدووعلى القائمين عليها، وليس فقط على الدّولة المارقة فرنسا التي أبت إلا أن تحشد العالم خلف شعاركلّنا شارلي“! تحت ستار الدّفاع عن حرية التّعبير، وإنّما أيضا على حكّام العرب والمسلمين الذين أعطوا الضّوء الأخضر لهذه الصّحيفة لتواصل عربدتها، يوم أبدوا تضامنهم معها، وساروا جنبا إلى جنب مع أكبر مجرمي هذا العالم استنكارا لما حصل لصحفييها، في مسيرة رُفعت خلالها رسوم الإساءة للإسلام وللنبيّ الإمام، وهم الذين لم ينبسوا ببنت شفة في وجه الإرهاب الذي مارسته فرنسا في مالي والصّومال وإفريقيا الوسطى! ولم يطرف لهم جفن أمام مسلسل الإساءات المتكرّرة لخاتم الأنبياء وإمام المرسلين!

سيسجّل التّاريخ أنّ حكّام العرب والمسلمين من المحيط إلى الخليج استنكفوا عن جرح مشاعر فرنسا المارقة ولو بعتاب رقيق أو التماس محتشم لوقف هذا المسلسل القذر، مسلسل الإساءة إلى النبيّ الخاتم، في الوقت الذي يعلم القاصي والدّاني أنّ الإساءات التي يتعرّض لها نبيّ الهدىعليه الصّلاة والسّلاملو كانت في حقّ أحد هؤلاء الحكّام لأقام الدّنيا ولم يقعدها ولاستنفر شعبه من خلفه، ولاستعمل كلّ وسائل الاحتجاج والضّغط لردّ الاعتبار لفخامته.

لقد أعادت مواقف حكّام المسلمين إزاء الإساءات المتكرّرة التي تستهدف الإسلام ونبيّهعليه الصّلاة والسّلامإلى الأذهان حال المسلمين في الأندلس في القرن الخامس الهجريّ على عهد ملوك الطّوائف الذين وصف الإمام ابن حزم حالهم فقال: “والله لو علموا أنّ في عبادة الصّلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدّون النصارى، فيمكّنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم، يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربّما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس“!


وجوب نصرة النبيّ الخاتم

ربّما لا يدرك قادة العالم الإسلاميّ أنّهم سيكونون بعد اليوم أمام امتحان عسير، وأنّهم إمّا أن يرتفعوا بعد سقوط، أو ينحدروا إلى سباطة التاريخ؛ بأيديهم اليوم من وسائل الضّغط ما قد يفقدونه غدا، وأمامهم فرصة قد لا تكون متاحة لهم بعد اليوم؛ ستنسى لهم الأمّة موبقاتهم إن هم وقفوا الموقف الذي يمليه عليهم دينهم وانتصروا للنبيّ الخاتم، واستعملوا كلّ وسائل الضّغط لإجبار المستهترين على مراجعة حساباتهم، وإلا فإنّ الأمّة ستبقى تلعنهم إلى يوم الدّين وستسجّل عليهم صفحات التّاريخ هذه اللّعنات لتقرأها الأجيال القادمة وتُلحِقَ بهم دعوات الويل والثّبور.

حكّام المسلمين يرفضون التصرّفات الفردية غير المحسوبة، لكنّهم ربّما لا يدركون أنّ هذه التصرّفات قد حصلت بسبب غياب الرّدود الرّسميّة، وبسبب الاحتقان الذي أوجدوه بين الشّعوب المسلمة بخذلانهم لمقدّسات المسلمين وقضاياهم.

إنّ من أوجب واجبات الحاكم المسلم أن ينتصر للدّين والمقدّسات، وينصر المسلمين والمسلمات، وهذا الواجب مقدّم على واجب حفظ مآكلهم ومشاربهم، ومتى ما تقاعس الحاكم المسلم عن هذا الواجب سقطت ولايته، وأثم إثما عظيما عند الله ((إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)).

قديما قال الإمام الشّافعيّ رحمه الله: “من استغضب ولم يغضب فهو حمار، وها هي أمّة الإسلام من المحيط إلى الخليج تستغضبها وتتحدّاها صحيفة تافهة في حبيبها المصطفى عليه الصّلاة والسّلام، وقد آن لها أن تري العالم أجمع أنّ عرض نبيّها عليه الصّلاة والسّلام خطّ أحمر.

إنّه واجب محتّم علينا معاشر المسلمين حكّاما ومحكومين أن نغضب لديننا وتتقطّع قلوبنا حسرة لعرض نبيّنا، وواجب علينا أن نري العالم أنّنا لن نسكت أبدا عن السّخرية بمن هو أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا وأبنائنا.

لقد أصبح واجبا محتما علينا أن ننتصر لنبيّنا ونتحدّى العالم ونعلنها بكلّ عزّة: كلّنا محمّد.. مليار ونصف المليار لنصرة محمّد.

 

إنّه لا ينبغي أبدا أن يصيبنا الخور، لأنّ قضيتنا الآن هي مع فرنسا التي غرّها منّا حديثنا بلسانها، وتولية مسؤولينا وجوههم شطرها، وهجرة شبابنا إلى أرضها بحثا عن لقمة العيش، إنّ الله يقول: ((قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين))، ويقول سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)).

مقالات ذات صلة