كيف صار الحراك عدوا لابن باديس؟
عندما نقول أن الحراك تم اختراقه و”اختطافه”، فالأدلة كثيرة ولا حصر لها.
لكن الدليل المؤلم، الدليل الذي جعل الملايين تنفر من رؤية هذا الانحراف الخطير، وتنسحب من الحراك مجبرة لا مخيرة، هو حجم العداء والحقد غير المفهوم، لرموز وطنية وإسلامية هي محل إجماع في الماضي والحاضر، لكنها باتت اليوم، هدفا للكراهية في حراك أردناه للحرية.
ما حدث في الجمعة 27، مع عجوز حملت لافتة لابن باديس باعتبارها مرجعا لوحدة الجزائريين، خطير ومثير للاشمئزاز والأسف، فقد التف حولها عدد كبير من الموتورين، وراحوا يعنفونها ويشتمونها ويرددون في وجهها عبارات “ديقاج” المبتذلة، بل إن هناك من اعتدى عليها بمحاولة نزع خمارها.
وقبل ذلك، تكررت في الجمع الماضية، مشاهد تقترب من هذا المشهد اللعين، عبر استهداف من يحملون صورا وشعارات تمجد ابن باديس، والشهيد العربي بن مهيدي وبن بولعيد وزيغود يوسف، ومالك بن نبي وغيرهم من الأبطال والمفكرين.. ولا أتحدث هنا عن الذين حملوا لافتات تعبر عن رأيهم في دعم الجيش، أو تطالب بالحوار، أو غيرها من الشعارات التي لا تروق لبعضهم، حيث الرد في تلك الحالات أيضا، لا يقل تطرفا وسفالة.
فهل هذه هي “السلمية” التي يتشدق بها البعض؟ هل هذه هي “الرجلة” التي تدفع بأنصار “لاليبرتي” للاعتداء على عجوز في مقام جدتهم؟ من أين أتوا بكل هذا الحقد؟ ألم يكن الحراك ضد أفكار الإقصاء والتهميش والرأي الواحد؟
ألم ينتفض الشعب من أجل استرجاع كرامته وقيمه وثوابته وثورته بكل رموزها؟
أذكر أننا في بداية الحراك، عندما كنا بالملايين نجوب شوارع المدن الداخلية والساحلية والصحراوية بلا استثناء، كنا نرى ونشاهد شعارات وصورا مستفزة لنا نحن كأغلبية داخل الحراك، ولأننا ضد العنف وحفاظا على سلمية الحراك، وحق الاختلاف، صمتنا وبلعنا مرارة ما كنا نشاهد.
رأينا أعلاما غير وطنية، وشعارات جهوية، ورأينا صورا لزنادقة الفكر والتوجه، وقلنا نحن في ثورة الحرية، وهذه حرية رأي.
لم نضرب أحدا، وكنا بالملايين، وبيننا “شرذمة” يعدون على الأصابع، ترفع صور الخيانة والجهوية والتنطع، ولم نشتم أحدا، ولم ننكل بأحد كما يفعلون اليوم بالعجائز، ولم نقل لأحد “ديقاج”، لأنه اختلف معنا.
هل لأن الجيش رفع شعار “النوفمبرية الباديسية”، ومنع اختطاف السلطة من طرف أقليات لا تؤمن بالديمقراطية، ولا بالحوار ولا التعايش، صارت النوفمبرية والثورة سبة في جبين هؤلاء، وصارت الباديسية لعنة تطاردهم آناء الليل وأطراف النهار؟
نحن نعلم أن نوفمبر الذي أطلق مشروع بناء دولة ديمقراطية في إطار المبادئ الإسلامية يزعجهم ويقض مضاجعهم، لذلك حاولوا من قبل الانقلاب عليه عبر “الفكرة الصومامية”، وها هم اليوم يحاولون الانقلاب عليه، عبر “الممارسة البلطجية”.
تماما كما نعلم أن العلامة ابن باديس الصنهاجي، سحب من تحت أرجلهم ورقة الهوية، والمزايدة بالأمازيغية، وأعلنها مدوية.. شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب.
بقي هنا أن نعبر عن استغرابنا، من صمت منظمة المجاهدين التي سارعت إلى المطالبة بحل جبهة التحرير، حيال التعدي على رموز الثورة من أمثال العربي بن مهيدي.
وكيف لا تصدر جمعية العلماء المسلمين، بيانا تندد فيه بهذه الممارسات “الفاشية”، ضد أعظم رموز الجمعية والجزائر، الشيخ بن باديس؟
هل ستكتفي منظمة المجاهدين وجمعية العلماء بالتفرج، وكأن الأمر لا يعنيهما؟
بالنسبة لنا، هذا خط أحمر، ولن نسكت عليه، حتى وإن جاء من حراك يراد له القداسة، وما هو بمقدس.