-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لازلنا نطالب… السلطات العليا!

لازلنا نطالب… السلطات العليا!

لازلنا نذكر عندما نُصّب الأستاذ شمس الدين شيتور على رأس وزارة التعليم العالي في مطلع السنة الماضية، أنه صرّح أكثر من مرة بأنه “جاء” (إلى الوزارة) من أجل إنشاء مدارس عليا للنخبة في 6 أو 8 اختصاصات كان قد عدّدها. وكان يجتهد ويعمل على هذا الملف كأنّ ما جاء على رأس وزارته إلا لهذا الغرض ولا تهمه المؤسسات الجامعية الأخرى ! ومن بين تلك المدارس النخبوية، المدرسة العليا للرياضيات. وكان عونه الرئيسي خلال المرحلة الأولى في تجسيد مشروع هذه المؤسسة وزير التربية، الرياضياتي محمد وجعوط. وقد بذل هذا الأخير جهودا يشكر عليها للمضي قدما بهذا المشروع وبمشروع مماثل يخص البحث العلمي سمي “معهد البحث في الرياضيات” لازال قيْد التجسيد.

 سبتمبر 2021

ومنذ سنة، أو يزيد، عُيّن على رأس مشروع المدرسة العليا للرياضيات الزميل محمد السعيد مولاي، الأستاذ بجامعة باب الزوار، الذي لم يبخل بوقته وجهده على امتداد هذه الفترة لمتابعة المشروع عن كثب ووضع المناهج الدراسية للمؤسسة مستعينا بعديد الزملاء في الداخل والخارج باعتبار هذه المؤسسة مدرسةً نموذجية ليست كبقية المؤسسات الجامعية. كما عمل بدون هوادة على تحديد قوانينها وإطارها العام بالتعاون مع مسؤولي وزارة التعليم العالي، ولا يزال العمل جاريا على قدم وساق.

وهكذا تمت برمجة فتح أبواب هذه المدرسة أمام خيرة تلاميذنا الحاصلين على الباكلوريا خلال الدخول الجامعي 2021/2022 (سبتمبر 2021). وكان من المهمّ التعريف بهذه المؤسسة أمام التلاميذ. ومن بين المعنيين الأوائل بهذا التكوين هم تلاميذ ثانوية الرياضيات بالقبة. ولهذا أصرّ الأستاذ مولاي منذ نحو شهرين على الالتقاء بتلاميذ السنة الثالثة في هذه الثانوية الذين أجروا امتحان الباكلوريا خلال الأسبوع الماضي. غير أن مدير المؤسسة الأستاذ مختار بكيري لم يجد موعدا أنسب لهذا اللقاء من زوال يوم الجمعة 25 جوان بُعَيْد انتهاء هؤلاء التلاميذ من مشوارهم بالثانوية وانتهاء امتحان الباكلوريا. وكان هذا اللقاء المتميّز بالثانوية الذي دام حوالي ساعتين.

وقد حضر اللقاء إلى جانب مدير الثانوية -الذي نشط الجلسة بمهارة فاجأتنا- الأستاذ محمد السعيد مولاي والأستاذ عبد الحكيم آيت زاي المدير الفرعي للمدارس العليا بوزارة التعليم العالي، وهذا فضلا عن بعض الضيوف من قطاع التربية والتعليم. وقدم مدير المشروع بسْطة عن المدرسة العليا للرياضيات وأهميتها البالغة. واللافت أن المتحدثين أثنوا كثيرا على رئيس الجمهورية الذي بادر إلى اتخاذ قرار بإنشاء هذه المدرسة بالذات -وأختها المدرسة العليا للذكاء الصُنْعي- بمرسوم رئاسي بعدما تدارس مجلس الوزراء هذا الإنشاء ومهام هاتين المدرستين. وهما المؤسستان الوحيدتان من بين المؤسسات الجامعية اللتان تحظيان بهذه الميزة (الإنشاء بمرسوم رئاسي).

وفي هذا السياق، بلغنا أن رئاسة الجمهورية أبدت اهتماما بالغا في المدة الأخيرة بموضوع تدريس الرياضيات بصفة عامة، كعلم ينبغي التركيز عليه في منظومتنا التربوية. وما يؤكد هذا الاهتمام، أن الرئاسة طلبت تقريرا حول الموضوع عكف على إعداده لفيف من المختصين والخبراء خلال الأسابيع الماضية. كل هذا جميل ويبشر بالخير الرياضياتيين والمهتمين برقيّ مستوى التحصيل العلمي في البلاد.

 وماذا بعدُ؟

غير أن إصدار النصوص الرسمية في مجالس الوزراء ونحوها لا يكفي ما لم تكن منسجمة وما لم يسهر المعنيون في مختلف القطاعات على تجسيد مضمون تلك النصوص. وهذا يقتضي النظر إلى المشروع نظرة شاملة، من ألِفه إلى يائه، لتحديد متطلبات نجاحه حتى يصبّ في صالح البلاد والعباد. وبدون ذلك تصبح هذه المؤسسة الناشئة، مثل مؤسساتنا النخبوية الأخرى، مجرد جسر ينتقل عبره خيرة طلبتنا من الجزائر إلى الضفة الشمالية. وهذا ما لا نريد !

فمدرسة من هذا القبيل تتطلب -ممن بادروا بالتفكير فيها- تسطير كل دقائق أمورها لتنتفع البلاد من تكوين هذه النخبة : بمعنى أن المسؤولين لا بد أن يتساءلوا من الآن: وماذا بعد تكوين هؤلاء الطلبة وتخرجهم؟ إلى أين سيُوَجهون للعمل حتى يفيدوا مجتمعهم؟ أما وزارة التعليم العالي فهي تقول “إنها مسؤولة عن التكوين وليس عن توظيف الخريجين”.

وهذا صحيح، لكن الوضع لا يمنع وزارة التعليم العالي من أن تلحّ في الطلب في جميع الاتجاهات قبل فوات الأوان، وأن تشدّد على ضرورة إيجاد صيغة تجعل هؤلاء الطلبة عند التخرج يحظون بقانون خاص بهم يجعلهم يتمسكون بالبقاء في وطنهم : ليس من الحكمة في تسيير دواليب السلطة أن يكون راتب البرلماني يساوي 10 أضعاف أجر المهندس الذي درس 5 سنوات في الجامعة، سيما إن كان من النخبة!

لماذا لا نضمن راتبا محترما لخريج المدرستين المنشأتين بمرسوم رئاسي يضمن له العيش الكريم؟ وسكنًا بمجرد تخرجه يدفع ثمنه بالتقسيط، يسمح للشاب بالاستقرار وبناء حياته الاجتماعية؟ ومنصبا في إحدى مؤسسات الدولة (الخاصة والعامة) يجعله يبدع ويبتكر ويستخدم العلم الذي درسه خلال مشواره الدراسي؟… ألم تسهر الدولة على تكوينه المتميّز من أجل أن يفيدها مستقبلا بعلمه وعبقريته؟

لقد صدق الزميل محجوب برضوان، الأستاذ بمدرسة الأشغال العمومية (القبة)، حين تدخل خلال لقاء يوم الجمعة في ثانوية الرياضيات، متوجها إلى جمهور التلاميذ، حين قال إن مستوى المهندسين الذين سيتخرجون من المدرسة العليا للرياضيات مستوى من مستوى تلك الفئة التي لا تطلب توظيفا بل فئة أصحاب المبادرات الذين ينشئون الوظائف بابتكاراتهم ومبادراتهم… وأضاف المتحدث أن ذلك يتطلب من أصحاب القرار اليوم تهيئة هذا المناخ للمتخرجين.

ذلك أن الهدف من هذه المدرسة هو تكوين “مهندسين رياضياتيين” يسمح لهم بالابتكار وبتقديم حلول ملموسة للمشاكل المعقدة في جميع قطاعات الحياة، وبتوفير العناصر الأساسية لتنمية البلاد في مجال الصناعة والفلاحة والبيئة والتكنولوجيا والاقتصاد والتجارة بمختلف فروعها. وهذا عكس الرياضياتي البحت الذي يعمل على حلّ المسائل المجرّدة. ومن شأن البرامج التكوينية المسطّرة في مدرسة الرياضيات أن تسمح لخريجيها بالانتقال من التجريد الرياضياتي إلى الواقع الملموس، وفهم تحدّيات المسائل التي يطرحها الميدان.

ومع ذلك نتمنى أن تنجح المدرسة في تكوينها لهذا النوع من المهندسين، وأن تفتح الباب في القادم من السنين للدراسات العليا وللتخصص في الرياضيات البحتة لأن علم الرياضيات سلسلة من ثلاث حلقات متساوية الأهمية : الرياضيات البحتة، والرياضيات القابلة للتطبيق، والرياضيات التطبيقية. والملمّون بهذا العلم واعون بأن حلقات هذه السلسلة متماسكة ولا يمكن عزل إحداها عن بقية الحلقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!