الرأي

لا إكراه في الدين

لقد انداحت موجة الإسلام إلى أصقاع بعيدة في الأرض، وامتدّ نوره إلى أدغال إفريقيا وآسيا، وأقبل الوافدون الجدد عليه في لهفة العطشان الباحث عن الماء دون سيف ولا قتال، ولكنّهم الدّعاة والمعلمون والتجار الذين بهروا النّاس بسماحة هذا الدين وهديه في معاملة المخالفين.

ودلت التجارب على أنّ مكاسب الإسلام تتضاعف في أوقات الموادعة والدعوة بالحسنى، فقد توقف القتال بين المسلمين وقريش بعد صلح الحديبية سنتين فقط، وكان عدد الذين حضروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح ألفين يزيد أو ينقص قليلا، ثم بعد نقض الصلح دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكّة فاتحا معه جيش عظيم اكتسح نجاد مكة وشعابها قوامه عشرة آلاف مقاتل.

ومن عجائب القرآن التي تستدعي التأمل أنّ الله سمّى الهدنة والصلح فتحا، فقال: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)) (الفتح، 1).. قال الإمام الزهري: “ما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس، كلّم بعضهم بعضا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك وأكثر”. ومعنى ذلك أن أجواء الدعوة والسلام أجدى على الإسلام والمسلمين من أجواء الحرب والقتال.

هذه هي فلسفة السلام والجدال بالتي هي أحسن في الإسلام، وتلك بعض وجوهها وتطبيقاتها في أبهى ما يمكن أن تبلغه البشرية من صور الجلال والكمال، ليقلب الناظر بعدئذ بصره في واقع المسلمين الحزين، وذلك أن طوائف منهم قد أساءت إلى هذا الدين العظيـم بمفاهيم مغلوطة، أو نظرات شائهة إلى بعض أحكامه ونصوصه، بعامل العجلة حينا، أو بعامل قلة الفقه وسفاهة الأحلام في أحايين كثيرة.

مقالات ذات صلة