-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا بدّ من خوض معركة الوعي

سلطان بركاني
  • 487
  • 0
لا بدّ من خوض معركة الوعي

لا يخفى على أحد أنّنا أصبحنا نعيش زمانا توالت فيه الفتن على أمّة الإسلام، واختلط الحقّ بالباطل والتبست الأمور على أكثر المسلمين في قضايا الدين والأمّة، وما عاد يسع العلماء والدّعاة والخطباء أن يكتفوا بمخاطبة القلوب، ويحجموا عن مخاطبة العقول وخوض معركة الوعي، لتبصير شباب الأمّة خاصّة بواقع يزداد تعقيدا عاما بعد عام، وهو ما دفع كثيرا منهم إلى الاستقالة من الاهتمام بواقع الأمّة وقضايا الدّين، وهذا -لا شكّ- خطأ جسيم وتقصير غير مبرّر؛ فشباب الأمّة يتعيّن عليهم أن يخوضوا معركة الوعي، ويجهدوا أنفسهم وعقولهم في البحث عمّا وراء الأحداث الدولية والإقليمية والعالمية التي أصبحت الأمّة مدار رحاها وأرضُها ساحة لها.

نعم، واقع الأمّة متشعّب ومعقّد بعض الشّيء، لكنّ أحداثه مترابطة، ويراد لها أن تسير في اتّجاه واحد هو الحيلولة دون انبعاث الأمّة من جديد.. الأمّة من المحيط إلى الخليج فُتحت عليها أبواب الشّهوات لشغل شبابها بالعواطف والنّزوات والأزياء والألحان والرياضة والتمثيليات، عن واقع ومستقبل الأمّة، كما قال الله: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)).. لقد وقع كثير من شباب الأمّة في حبائل الشّهوات وأصبحوا يعيشون حياة المشاعر والعواطف في عوالم الإنترنت وعلى أرض الواقع؛ ينظرون إلى ما تمرّ به الأمّة المسلمة من محن وإحن على أنّه أمر لا يعنيهم وليسوا مطالبين بأن يهتمّوا به.

وبإزاء فتنة الشّهوات، فتح العلمانيون على شباب الأمّة، خاصّة منهم التائقون إلى السّير على طريق الصّلاح، فتن الشّبهات، وسخّروا وسائل الإعلام لتشكيك الشّباب في دينهم الذي يعرض لهم على أنّه دين خلافات وتناقضات، ودين طوائف وجماعات متصارعة، وأنّ أهل الدّين كلّهم هم من أتباع هذه الطّوائف المختلفة وأنّ الإسلام هو هذه الطّوائف لا غير.. وبسبب مكر اللّيل والنّهار ما عاد كثير من شباب الأمّة يعرفون أين يتّجهون ولا على أيّ طريق يسيرون.. وأصبحت تؤرّقهم وتفتّ من عزائمهم فتنة الطّوائف التي تعدّدت وتكاثرت وتولّد بعضها عن بعض.. كلّ منها تدّعي أنّها على الحقّ وغيرها على الباطل.. وكلّ منها تدّعي أنّ طريقها هو طريق الجنّة وغيرها من الطّرق هي طرق الجحيم.

إنّها فتنة الطّوائف التي ابتليت بها الأمّة المسلمة في مختلف مراحل تاريخها، تماما كما أخبر المصطفى عليه الصّلاة والسّلام حينما قال: “إنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا”، وقال: “إنّ الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم”، فتنة طويلة العمر، لكنّها في هذا الزّمان أصبحت مدلهمّة مع تطوّر وسائل التواصل وسهولة التبليغ، وأصبح في إمكان دعاة الطّوائف المختلفة الذين يتلقّى كثير منهم دعما ماديا ومعنويا من جهات كثيرة ومختلفة؛ أصبح في إمكانهم مخاطبة مئات الآلاف بل الملايين من المسلمين من دون أن يحتاجوا إلى التنقل من مكان إلى آخر، وغدا سهلا عليهم أن يغرّروا ببعض الشّباب المتحمّسين الذين لا يعلمون كثيرا من حقائق الدّين بل وكثيرا من أبجدياته.

لو أردنا أن نختصر حقيقة الفتن في زماننا هذا لقلنا إنّها تتعلّق في أساسها بفتنة العلمانية التي تتستّر في كثير من الأحيان بالوطنيّة؛ فهي التي نفخت في فتنة الطّوائف ووظّفتها لإفساد دين الأمّة ودنياها.. بعد سقوط آخر قلاع الخلافة العثمانية أواخر الربع الأوّل من القرن العشرين، تمكّن الأعداء المتربّصون من فرض العلمانية المغلّفة على أمّة الإسلام، في إثر خديعة العلمانيّ المتطرّف مصطفى كمال أتاتورك الذي قدّم في بداياته على أنّه غازٍ يبحث عن مصلحة الأمّة، ودخل في معركة مع اليونان صنع له فيها الغرب نصرا مؤزّرا لتهتف له الحناجر، وقد كان له ذلك، حتّى إذا تمكّن كشّر عن أنيابه وأظهر حقيقته وأعلن حربه على الدّين وشعائره وشرائعه، وزرع بذرة العلمانية الخبيثة في أمّة الإسلام.. وبعد أتاتورك أُخرجت للأمّة نسخ أخرى من العلمانية غلّفت بالقومية والوطنيّة، وزيّنت للنّاظرين على أنّها لا تعادي الأديان، وإنّما تعترف بها جميعا لكنّها فقط لا تسمح لها بالتدخّل في الشّأن العامّ! وهي الكذبة التي انطلت على بعض المسلمين المنسلخين الذين أحسنوا الظنّ بالعلمانية وتبنّوها ودافعوا عنها، واستعانوا بالدول الاستعمارية لفرضها، وأخذت العلمانية تنمو في دول المسلمين وتترعرع برعاية غربية، حتى أصبحت خيارا لا بديل عنه، إليه تُحاكم الخيارات والاختيارات! مُكّنت من مصادر القرار ومن وسائل الإعلام، ففتحت الأبواب على مصاريعها للفنانين والمغنين ليصنعوا لشباب الأمّة دينا جديدا هو دين الحبّ والغرام والأزياء والموضات والأندية والبطولات، ولم تكتف العلمانية بهذا حتى سعت -بالتعاون مع الغرب دائما- إلى تقويض كلّ صحوة إسلاميّة، بتشويه الدّعاة والمصلحين في وسائل الإعلام عن طريق المسلسلات والأفلام، والتضييق عليهم في معايشهم، ومحاولة تنفير الشّباب منهم.. ليس هذا فحسب، بل إنّ المكر العلمانيّ سعى في تمزيق الصفّ الإسلاميّ إلى طوائف، وكانت خطّته تتركّز على توجيه الأضواء إلى بعض الطّوائف المنحرفة والمتطرّفة التي تنشر الضّغائن والأحقاد في أمّة الإسلام وتعمل على إلهاء المسلمين بعضهم ببعض عمّا يدبّره العلمانيون لثوابت الأمّة ومقوّماتها، وعمّا يحيكه الأعداء المتربّصون للأمّة من مكر تكاد تزول منه الجبال، وعمّا يلحقونه بالأمّة من إرهاب تشيب له الولدان.

لعلّ أكثر طائفتين يركّز عليهما العلمانيون لنشر البغضاء والأحقاد بين المسلمين ويهتمّ المتربّصون من الصّهاينة والصليبيين بالاستثمار في منهجيهما وتلميع قادتها ومنظّريها بطرق مباشرة أو غير مباشرة: الطائفة الشيعية، والطّائفة المدخليّة.

لقد عانت أمّة الإسلام مع الطّائفة الشّيعيّة، ومع أتباعها الذين يُشحنون بالأحقاد والثارات، في مراحل تاريخها المختلفة، فعانى معهم العباسيون في فتنة التتار حينما وصل بعض الشيعة إلى الوزارات ومدّوا أيديهم إلى التتار وفتحوا لهم الأبواب ومكّنوهم من رقاب المسلمين، وعانى معهم صلاح الدّين الأيوبيّ الذي اضطرّ لتأديبهم قبل حرب الصليبيين، وعانى معهم العثمانيون الذين اضطرّوا لوقف فتوحاتهم في أوروبا لتأديب الدولة الصّفويّة التي أنشأها أتباع هذه الطّائفة، والتي تركت الأعداء ووجّهت خناجرها إلى المسلمين وطعنتهم في خواصرهم، ولا يزال الغربيون يدينون لها بالفضل في وقف قطار الفتوحات الإسلاميّة الذي وصل إلى ضواحي باريس، بل وتسبّبت فتنتها في عدم تمكّن الخلافة العثمانية من نجدة مسلمي الأندلس الذين ارتكبت في حقّهم مجازر خلّدت فظائعها صفحات التاريخ.. ولأنّ الغربيين يعرفون جيّدا تاريخ هذه الطّائفة ويعرفون النكبات التي ألحقتها بأمّة الإسلام فقد أوعزوا إلى أوليائهم من العلمانيين بأن يفسحوا المجال لدعاتها وقنواتها لتعمل عملها في أمّة الإسلام، وتشكّك المسلمين في تاريخهم وتصوّره على أنّه أظلم وأحلك تاريخ عرفته البشرية، وتقطع علاقة المسلمين بأسلافهم من الصحابة المرضيين والهداة الفاتحين والعلماء العاملين، وهاهم دعاة التشيّع تَفتح لهم القنوات شاشاتها تحت غطاء حرية المعتقد لينفثوا سمومهم في الأمّة المنكوبة ويلهوها عن واقعها ومستقبلها بفتح دفاتر التاريخ ونشر الأراجيف وبثّ الشّهوات وإثارة الشّبهات.

إنّه ما كان للعقائد الشاذّة والمنحرفة التي يقوم عليها المذهب الشّيعيّ أن تجد لها طريقا إلى بعض شباب الأمّة لولا تلك الأموال الطّائلة التي ترصدها الدّولة التي ترعى هذا المذهب والإغراءات التي تقدّمها لمعتنقيه وللجهات العلمانية لأجل تسهيل نشر المذهب الشيعي المتدثّر كذبا وزورا بأهل البيت الأطهار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!