الرأي

لا تخصوا فحولكم

حسان زهار
  • 1481
  • 8
ح.م

الذين تابعوا أحداث العراق هذه الأيام، ورأوا وسمعوا عن أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين، لا بد أنهم سيتذكرون الراحل صدام حسين.

في ظرف أيام قليلة سقط عشرات القتلى في مظاهرات مناوئة للحكومة العراقية، ومئات الجرحى، بينما لم تسقط في الجزائر قطرة دم واحدة منذ نحو 8 أشهر من حراك شعبي ملاييني في طول الجزائر وعرضها.

ماذا يعني هذا لمن كان له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد؟

بالنسبة للذين ذهب خيالهم مباشرة إلى الزعيم الكبير صدام حسين، فلا بد أنه أطلق تنهيدة من الأعماق، ثم ترحم على رجل كان يجمع في يده العراق العظيم، ويجعل منه قوة إقليمية تهابها القوى العالمية، ومن شعبه شعبا متعلما خاليا من الأميين.

هذا الرجل العظيم ليس هو بطبيعة الحال عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الحالي، ولا يشبه في شيء الحاكم السابق نوري المالكي، من الذين يمنحون ميليشيات إيران التي تسيطر على العراق العظيم، الضوء الأخضر لإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، لأنه كان يفضل مهمة أخرى، هي مهمة دك حصون دولة إيران.. وإلحاق الهزائم بها تلو الهزائم.

ولذلك حين يتذكر الجزائري البسيط اليوم رجلا مثل صدام، فلا بد أنه سيتذكر أيضا بومدين، ثم يقوم بمقارنة بسيطة في خياله، بين هؤلاء العظماء، وبين الوجوه التي تتقدم الآن إلى الرئاسيات.. ليطرح سؤاله المؤلم، هل فيكم رجل عظيم؟

نحن نحتاج إلى الرجولة والحسم، ونحتاج أيضا إلى العقل والتبصر.

لذلك، من حقنا أن نفخر حين تتساقط الأرواح في شوارع بغداد والحلة والبصرة، في مواجهة متظاهرين سلميين، بينما تعج شوارع الجزائر بالمتظاهرين منذ ثمانية أشهر، فلا يسقط جريح واحد، علاوة على قطرة دم واحدة.

لقد قالها رجل سيذكره التاريخ بحروف من نور.. قائد الجيش الجزائري أحمد قايد صالح.. لن نسمح بسقوط قطرة دم جزائري واحد.. وقد وفى بوعده العظيم هذا، وقد كان أعظم وعد وأشرف التزام.

الذين لا يعجبهم هذا الكلام، وهم يواصلون لعبة التخوين والشيطنة في الشوارع، عليهم أن يفتحوا أعينهم جيدا لما يجري حولهم في العالم الآن، ليس فقط في العراق الجريح اليوم، بل أن ينظروا إلى دول أخرى، من جنوب ضفة المتوسط إلى شمالها، ويقارنوا لعل العقل الذي طاش منهم، يعود إليهم سريعا.

في مصر حراك بسيط في الشارع، أدى في بضعة أيام إلى آلاف المعتقلين، يضافون إلى عشرات الآلاف من المعتقلين من أيام مجزرة رابعة والانقلاب على الشرعية، حتى إن عمليات الاعتقال باتت تتم بالشبهة، وأحيانا بتهمة امتلاك “النية في معارضة السيسي”.

وها هي فرسنا التي يعشقها البعض عندنا، ويستجدون منها النواب لكي يتظاهروا معهم في شوارعنا، تقمع بالقوة مظاهرات السترات الصفراء، ليسقط الضحايا، ومعهم جرحى تقلع عيونهم قلعا بالقنص والضرب.

وهنا لا أريد أن أعود كثيرا إلى زمن كان فيه أمثال الجنرال الهارب خالد نزار، من النافذين المقررين، حينها تذكرون جميعكم، كيف كان القتل بالرصاص الحي، يُبرر بانعدام “الرصاص المطاطي”!

ما يهمنا في كل هذه الدروس الكبيرة، هو أن نتعلم كيف لا نخصي فحولنا، ولا أن نخون شرفاءنا، لأننا إن فعلنا، ابتلانا الله بحُواة ديوثين، لا يتقون فينا إلًا ولا ذمة، نكالا من الله وسوء مصير.

والأهم من المهم، أن نحسن اختيار الرجل الذي سوف يحكمنا غدا، ونحن على أبواب استحقاق مصيري، رجل يضمن للناس كرامتهم، ويعصم دماءهم.

مقالات ذات صلة