-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا تعطوا الكرة أكثر من حجمها

سلطان بركاني
  • 3393
  • 0
لا تعطوا الكرة أكثر من حجمها

شغل كثير من الجزائريين، خلال هذا الأسبوع، بتصفيات كأس أمم إفريقيا 2017م، التي تحتضنها دولة الغابون، ويشارك فيها المنتخب الجزائريّ، الذي لا يَتوقّع له المتابعون أن يتجاوز الأدوار الأولى لهذه التّصفيات. وهذه ليست المشكلة الأكبر التي يفترض أن تحظى باهتمام الغيورين على هذا البلد المسلم، لأنّ كرة القدم هي في البداية والنّهاية مجرّد لعبة فيها الرّبح والخسارة، لكنّ الذي يفترض أن يشغل المهتمّين حقيقة بواقع هذا البلد هو تداعيات المنافسات التي يخوضها الفريق الوطنيّ على علاقة هذا الشّعب المسلم بشعوب أخرى مسلمة تناصر فرقَ بلدانها التي تشارك في هذه النهائيات.

لقد رأينا كيف أدّت المنافسة في دورات سابقة إلى احتقان العلاقات بين الجزائريين والمصريين، نفخت فيه بعض وسائل الإعلام، وكادت الأمور تصل إلى حدّ القطيعة بين الشّعبين المسلمين الشّقيقين لولا لطف الله، ونخشى أن يظهر الاحتقان مرّة أخرى بين الجزائريين وإخوانهم التونسيين بسبب مباراة يوم الخميس، في ظلّ محاولة كلّ طرف التّأثير في معنويات الطّرف الآخر قبيل المباراة وأثناءها، وتعمّد بعض المعلّقين والمحلّلين إلقاء تبعات الخسارة على الطّرف الآخر.

إنّها ليست محنة خاصّة ببعض الجزائريين أو بعض المصريين أو بعض التونسيّين، ولكنّها محنة تكاد تكون محنة أمّة بأكملها، يوم أصبح المسلمون من أكثر شعوب الدّنيا تحمّسا لكرة القدم، وأكثرهم تفاعلا وتأثّرا بنتائج مبارياتها، مع أنّه لا ناقة لهم في أكثر بطولاتها وكؤوسها ولا جمل، ولا أمل لهم في إحرازها والظّفر بها، بل ولا أمل لأكثر دولهم في استضافة نهائياتها.

كان في الإمكان أن توظّف مثل هذه المنافسات لخدمة قضايا الأمّة، ورأب الصّدع بين بعض الدّول المسلمة، لو كنّا نملك إعلاما هادفا يهتمّ بالأخلاق الرياضية أكثر من اهتمامه برصد الكواليس وبثّ النّميمة، ورياضيين ينظرون إلى الكرة على أنّها وسيلة وليست غاية، لكنّنا في كلّ مرّة نرى من المظاهر ما لا يسرّ، ثمّ نرى شبابا وأطفالا يقلّدون تلك المظاهر المشينة في واقعهم.

إنّنا في أمسّ الحاجة إلى أن نعيد النّظر في علاقتنا بكرة القدم، وفي أمسّ الحاجة إلى أن نجعلها وسيلة لخدمة ديننا وأوطاننا خدمة حقيقية بعيدا عن الشّعارات الجوفاء.. كما أنّنا في أمسّ الحاجة أيضا إلى أن تتحرّك قلوبنا للإسلام على الأقلّ كما تتحرّك للكرة.. نريد لقلوبنا أن تحزن لهذا الدّين وتحزن لمصائب المسلمين على الأقلّ كما تحزن لخسارة في مباراة.. حرام وعيب وعار أن تصبح كرة القدم أهمّ عندنا من ديننا وأمّتنا.. كرة القدم لعبة ولا يجوز أن تصبح دينا وديدنا وهمّا يملأ حياة المسلم ويستغرق ليله ونهاره.

ما هي إلا أيام قليلة ويسدل السّتار على بطولة أمم أفريقيا وربّما لا يجني كثير من المسلمين سوى ضغائن وأحقاد حملوها في قلوبهم لبعض إخوانهم بسبب مباراة، ليتفرّغ كثير من شباب المسلمين بعدها لمتابعة البطولات الأوروبية والأمريكيّة والآسيويّة.. فهل سنظلّ أسرى للبطولات والكؤوس، من بطولة إلى بطولة ومن كأس إلى كأس؟

الصّراع بين الحقّ والباطل على قدم وساق، والصّفوف بدأت تتمايز، ولا مكان لمن يعيش على هامش الحياة من غير هدف. فلينظر كلّ واحد منّا في قلبه أيّ همّ يحمل فيه؟ همّ دينه وهمّ آخرته؟ أم تراه يحمل همّ دنياه وهمّ من سيفوز بكأس هذه البطولة أو تلك؟

إنّه لا يجوز وليس يسوغ أبدا أن يتحوّل اللّعب في حياتنا إلى دين، ويتحوّل الدّين إلى لهو ولعب. المفترض في كلّ مسلم أن يكون صاحب هدف ومبدإ، يعيش لأجله، ويستغرق حياته، ويملأ قلبه، لأنّه يعلم أنّ العمر قصير ولا يصحّ أن يضيّعه في الغفلة عن هدفه وهمّه.. كرة القدم لعبة لا ينبغي أن تعطى أكثر من حجمها وأكثر ممّا تستحقّ.. المباراة الواحدة تستغرق ساعة ونصف السّاعة، ولا ينبغي أن تأخذ أكثر من وقتها أو يحمل المسلم همّها باللّيل والنّهار.. بلادنا تعاني أزمات كثيرة لا يمكن معالجتها بكرة القدم، ولو ظفر فريقنا بكأس إفريقيا، بل ربّما تكون هذه الكأس شجرة من دون جذور يراد لها أن تغطّي غابة الفشل والإخفاق في ميادين الجدّ والعمل، سرعان ما تيبس وتتهاوى، لنفيق على واقع مرّ مرير صنعناه بكسلنا وخمولنا وانشغالنا عن الأهمّ بما لا ينفعنا في ديننا ولا دنيانا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!