الرأي

لا علم ولا أخلاق

ح.م

في أواخر شهر مارس من سنة 1972، زار الأستاذ مالك بن نبي – رحمه الله- مدينة دمشق وألقى فيها محاضرة، وأعاد إلقاءها علينا في مسجد الطلبة بجامعة الجزائر.
كان عنوان المحاضرة لافتا للنظر، منبها للفكر، وهو “دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”، وذلك انطلاقا من الآية القرآنية الكريمة: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا” (البقرة 143).
لقد سمّى بعض المغرورين من الغربيين القرن العشرين “قرن الهندسة الاجتماعية”، ويقصدون أن “العلم” سيهندس حياة الناس في جميع الميادين، ويسيطر على نشاطاتهم بدقة كما يهندس أي مهندس مشروعه ويضبطه.. وكل ذلك – في زعمهم- لجعل الإنسان يعيش “الجنة” في هذه الحياة الدنيا، وليس ذلك بأمانيهم.. ولو كان هؤلاء “المغرورون” على شيء من الفكر العميق والتأمل الدقيق لانتهوا إلى أن هذا القرن العشرين سيكون “قرن الظلمات” كما تنبّأ الأستاذ عمر راسم الجزائري – رحمه الله.
لقد رأى الناس في هذا القرن العشرين، وسمعوا فيه، وقرأوا ما جرى فيه من حوادث ما جعل الولدان شيبا.. ويكفي هذا القرن سوءا وذكرا سيئا الحربان العالميتان، وإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتين آمنتين، وإجراء تجارب نووية في عدة أماكن من العالم، وإخراج شعب من أرضه (فلسطين) وتشريده في جميع أنحاء العالم، ولا أتكلم عما وقع في هذا القرن العشرين من انحطاط وانحلال في الأخلاق، حتى صار أكثر الناس يرون حسنا ما ليس بالحسن، وشاعت الفواحش تحت كلمتين مظلومتين هما: “الأدب” و”الفن” بجميع أنواعه من روايات، وقصص، وغناء خليع، وسينما تزين القبيح وتقبع الحسن، وتحيي الرذائل وتقتل الفضائل.
كان الأستاذ ابن نبي يرى أن “الغرب” قد قطع أشواطا بعيدة في العلوم والمدنية، وكان يرى أنه لا مكنة لـ”المسلمين” في اللحاق بـ”الغرب” فضلا عن أن نسبقه، أو حتى نجاريه في ميدان العلوم..
إن هذه الحضارة “الغربية” أشبعت بطون أبنائها، ورفّهت حياتهم، و”أقنعت” عقولهم، ولكنها في الوقت نفسه أظمأت أرواحهم، وأعطشت نفوسهم.. ولا أمل “لا في ماركس ولا في “عيسى” كما كتب المفكر الفرنسي جان فرانسوا ريجال (J.F.Revel) ولا يقوم بهذا الدور الأخلاقي – حسب مالك ابن نبي- إلا المسلمون-.
ولكن هانحن “المسلمين” – في نهاية الخمس الأول من القرن الواحد والعشرين- أحوج من الأخلاق من الغربيين، وصرنا نصدّ – بسوء أخلاقنا- هؤلاء الغربيين عن الإسلام.. ونخشى أن يضاعف الله – عز وجل- لنا العذاب، لأننا لم نكتف بعدم الدعوة إلى الإسلام، بل صرنا نصد الناس عنه.

مقالات ذات صلة