الرأي

لا نريد مرسي آخر في تونس                                           

حسان زهار
  • 12415
  • 10
ح.م

بقدر فرحتنا بفوز قيس سعيّد برئاسة تونس كثاني رئيس عربي منتخب انتخابا ديمقراطيا.. بقدر ما نضع أيدينا على قلوبنا خشية أن يكون مصيره هو مصير مرسي.. أول رئيس عربي منتخب انتخابا ديمقراطيا.

مرسي الذي كان أول رئيس مصري منتخب منذ 5 آلاف سنة.. انتهى به الحال بعد عام واحد من الحكم في غيابات السجن.. رفقة مائة ألف من أنصار الشرعية.. قبل أن يتم التخلص منه بطريقة غامضة.

لقد كانت “جريمة” مرسي التي لم تغفرها له الصهيونية والقوى الرجعية العربية العميلة لها.. أنه جاء إلى الرئاسة بأمر الشعب المصري.. وكان إلى جانب الحق الفلسطيني، لقد كان نموذجا مخيفا لتلك القوى في أن تتولى الشعوب العربية أمرها.. فكان لا بد أن ينتهي نهاية مأساوية يكون فيها عبرة لكل من تسول له نفسه كسر منظومة الحكم “الصديقة”.. والجرأة على تلك المنظومة بالوصول إلى الكرسي عبر الإرادة الشعبية والعمل على تحقيق آمالها.

لقد تحالفت الدولة العميقة في مصر، مع الرجعية العربية، وبعضهم خدم للصهيونية، للتنكيل بالتجربة المصرية في الديمقراطية، ليس لأن الإخوان المسلمين هم من وصلوا إلى الحكم، كما يدعي البعض، بل لأن خطوطا حمراء مست، بينها أن تتولى الشعوب العربية أمرها بيدها عبر الصندوق الانتخابي، وأن تصبح المصالح الاسرائيلية في موقع الخطر.

وهنا يحدثنا التاريخ العربي الحديث والمعاصر عن تجارب أخرى مؤلمة.. لا تقل شناعة عن تجربة مرسي والإخوان في مصر.

فقد سبق للقوى المحلية والدولية المعادية للديمقراطية والحرية في العالم العربي.. إن داست بالنعال على تجربة الجزائريين عام 1992.. لقد انتبهت هذه القوى مبكرا أن تفعيل دور الصندوق في عملية الاختيار.. لتجسيد الإرادة الشعبية في البلديات والبرلمان يشكل تهديدا وجوديا لمصالحها.. ففعلت آلة الانقلاب والإرهاب معا.. ليكون الانتقام قاسيا جدا.. من أغلبية تجرأت على الحلم الديمقراطي.. ليمضي بعدها الشعب الجزائري قرابة الثلاثة عقود كاملة من التيه السياسي.

وحدث أن فازت الديمقراطية في فلسطين المحتلة.. حين انتصرت حماس في انتخابات شفافة.. فكان لزاما على ذات القوى “المتصهينة” أن تجهض التجربة.. رفضا للنموذج الحمساوي في الديمقراية والمقاومة.

ومثلما وقف علمانيو الجزائر بالأمس ضد الحرية.. بدعم من فرنسا والرجعية العربية.. وخان الديمقراطيون فيها الديمقراطية.. ارتكب فراعنة مصر نفس الخطيئة.. وكذلك فعلت سلطة رام الله الانبطاحية…

إننا إذ نبارك لتونس الشقيقة قيسها الرائع.. نحذر من أن الذين انتخبوا نبيل القروي اليوم قد يكونون في نفس الخندق الانقلابي الذي وقفه أولئك الذين انتخبوا مرشح الدولة العميقة بمصر أحمد شفيق.. ونفس الخندق الذي وقفته قوى الظلام الديمقراطي في الجزائر من الارسيداويين والأفافسيين وساء أولئك رفيقا.

ما ندركه الآن تماما ونحذر منه.. إن قنوات المونارشية الخليجية التي قطعت كلمة قيس سعيّد حين شرع في الحديث عن فلسطين.. وارتعدت فرائسها لاعتباره العلاقة مع اسرائيل خيانة عظمى، ستبدأ سريعا في عمليات التخريب المبرمج.. لأنها ببساطة لا تحتمل رؤية تجربة ديمقراطية ناجحة بهذا القدر في بلد كتونس.. كان بالأمس رأس انطلاقة ثورات الربيع العربي.

وكما تم تخريب ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس عبر الثورات المضادة، فإن تخريب التجربة الديمقراطية التونسية بوصفها نموذجا يحتذى به في باقي الدول العربية، ستكون أولى وأوجب.

وما ندركه أكثر.. إن القوم المتربصبن بهذه الأمة الدوائر.. سيعملون قبل تحويل قيس سعيّد إلى مرسي آخر.. وضمن خطة مستعجلة، على منع انتقال الفيروس التونسي إلى الجارة الغربية الجزائر بكل الوسائل والطرق.. خاصة وأن الجزائر على أبواب انتخابات رئاسية هي في ميزان الاستراتيجيات السياسية أهم وأخطر من انتخابات تونس.

المعركة ستكون ساخنة.. وهنا وجب التأكيد انه اذا تجاوزت الجزائر تجربة 12 ديسمبر بنجاح فإن استقرار تونس سيكون تحصيل حاصل.. وإلا فإن قوى الشر ستعمل على أن تكون كلا من تونس والجزائر عبرة لمن لا يعتبر.. عبر تحويل الفعل الديمقراطي إلى آلة تفجير مستمر ستكون نتائجه وخيمة جدا على المنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة