-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لقاء الأحباء في يوم الثلاثاء “أو لقاء الأجيال”

التهامي مجوري
  • 600
  • 0
لقاء الأحباء في يوم الثلاثاء “أو لقاء الأجيال”

لقاء الأحباء هو عنوان لكتاب صدر في هذا العام 2021، وله خصوصية تميزه عن غيره من الكتب، فهو ليس مؤلفا من قبل كاتب واحد، وليس له موضوع أو محور واحد يعالجه، ولم يكتب بأسلوب واحد، حيث أن الذين ساهموا في تأليفه، ليسوا كلهم ممن اشتهر بالكاتبة واحترفها، وإنما بعضهم مارسها بجدارة ومنهم من لم يعرف عنه ذلك، وإن اشترك الجميع في القدرة على الكتابة، وأمر آخر ملفت وهو أن هذه المجموعة ذوي تخصصات مختلفة.

لقد أهداني الأستاذ محمد الصالح الصديق نسخة منه لما يعرف عني من اهتمام بالكتاب والكتابة عموما، ولا زلت أذكر أول لقاء لي معه في مقر جمعية العلماء، إذ بمجرد أن ذكرت اسمي له، حتى فاجاني بقوله ولِمَ لا تجمع المقالات التي تكتبها في البصائر؟ فأدركت انه يقرأ ما اكتب… فقلت في نفسي يومها من أكون حتى يقرأ لي الأستاذ محمد الصالح الصديق؟

وأما العنوان الفرعي “لقاء الأجيال”، فهو من وضعي أنا لأنه في تقديري الأكثر تعبيرا عن مضامين الكتاب ومحتوياته.

في إحدى زياراتي للشيخ الأستاذ محمد الصالح الصديق، ولا أدري مع من كنت يومها، حدثنا الأستاذ عن لقاء ينظمه في كل يوم ثلاثاء مع مجموعة من المثقفين، فيما يشبه الصالونات الأدبية المعروفة في مصر في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، التي من أشهرها “صالون العقاد” الذي كان يلتقي فيه مع مجموعة من الأدباء، وقد كتب عنه أنيس منصور كتابه الشهير “في صالون العقاد كانت لنا أيام”.

فسألت الشيخ وهل هذا اللقاء: لا يزال متواصلا؟ وكانت نيتي الالتحاق به؛ لأنني كنت ولا زلت أتشوف لمثل هذا النشاط الثقافي الفعال، لا سيما بين المثقفين الذين يحملون على عاتقهم هموم أمتهم، أو هكذا يفترض…، ولكن للأسف فقد أجابني الأستاذ بأن هذا اللقاء توقف,

وفي زيارة لي بعدها وكانت يوم الأحد 17 أكتوبر 2021، فاجأني الأستاذ بأن كتابا صدر للمجموعة التي كانت تلتقي في ذلك اللقاء المشار إليه.

وبمجرد أن جلسنا، عاد فقام وجاءني بنسخة من الكتاب وعنوانه “لقاء الأحباء في يوم الثلاثاء”، وقال لي هذه هديتي إليك…، وهو كتاب، تحفة في مضمونه الفكري والثقافي وتنوع الشريحة المشاركة فيه.

صُدِّر الكتاب بترجمة موجزة للأستاذ محمد الصالح الصديق، وخواطر وأفكار وواقائع تاريخية بقلم الأستاذ بلغت 339 خاطرة وفكرة وواقعة، متبوع بصور متنوعة للأستاذ محمد الصالح مع شخصيات ثقافية وطنية، وصور أخرى تغطي بعض أسفاره إلى مواقع من العالم منها بعض الجمهوريات الأسلامية في العهد السوفييتي، كما كتب تعريفات موجزة بالأحباء، وذكر كل واحد منهم بما يشبه الفضيلة الخاصة أو كما يقال الخاصية، إذ منهم من درس عنه ومنهم من كان رفيقا له في الجهاد…، ثم أتبع كل ذلك بتراجم بأقلام المجموعة التي شاركت في هذا اللقاء وعرض لبعض منتجاتهم الأدبية والتاريخية.

المجموعة الذين كونوا يلتقون عددهم ستة عشر شخصا من بينهم امرأتان.

وما لفت انتباهي في هذه المجموعة أنهم يمثلون ثلاثة أجيال، الجيل الأول ويمثله الأستاذ محمد الصالح الصديق وهو من مواليد 1925، والجيل الثاني تمثله مجموعة من مواليد ما بين 1947 و1966، والجيل الثالث من مواليد ما بين 1985 و1993.

ولقاء ثلاثة أجيال في نشاط ثقافي: أدبي، فكري، تاريخي، يعني أن هناك تلاقح خبرات الأجيال الثلاثة فيما بينها، ونقاش مثمر وأكثر نضج من ثمار الأجيال المتباعدة عن بعضها البعض.

يرى ابن خلدون رحمه الله “أن كل شرف وحسب فعدمه سابق عليه شأن كل محدث ثم إن نهايته في أربعة آباء وذلك أن باني المجد عالم يما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه وابنه من بعده مباشر لأبيه فقد سمع منه ذلك وأخذه عنه إلا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاني له ثم إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتيهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف وإنما هو أمر وجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصابة ولا بخلال لما يرى من التجلة بين الناس ولا يعلم كيف كان حدوثها ولا سببها ويتوهم أنه النسب فقط فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته ويرى الفصل له عليهم وثوقاً بما ربي فيه من استتباعهم وجهلاً بما أوجب ذلك الاستتباع من الخلال” [المقدمة]، وقد عبر عن هذه الفكرة الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله في مخططه البياني المفسر للتحولات التي شهدتها الحضارة الإسلامية، فعبر عن جيل التأسيس بمرحلة الروح، والجيل الوارث مرحة العقل، والجيل الثالث بمرحلة الغريزة.

تصوروا معي هذه الأجيال الثلاثة في مجلس واحد تتفاعل فيما بينها في كل ما يطرح من أفكار ومعلومات تاريخية أو أدبية او سياسية… بمعنى تصوروا أن الروح والعقل والغريزة في مجلس واحد تتبادل الرأي والتقييم في قضية ما أو جملة من القضايا!!

وهنا تمنيت لو أن الكتاب تضمن الحوارات والنقاشات التي كانت تجري بين أفراد هذه المجموعة، التي قلنا إنها تمثل ثلاثة أجيال؛ لأن ذلك يكشف لنا عن أهمية لقاء ثلاثة أجيال في مجلس واحد، ووجهات نظرهم المختلفة في بعض الأمور أو فيها كلها، بحكم تفاوت الخبرات والتجارب، وبسبب مستويات التحصيل، وبسبب تباين المراحل العمرية…إلخ.

ومن أهم ما يمكن أن يستنتج أيضا، معرفة الفوارق الطبيعية بين الأجيال التي يراد لها أن تكون متصارعة، على خلاف ثقافتنا الإسلامية التي تريدها متكاملة متعاونة، وقائمة على أدوارها المعدة لها، وهي الزوايا التي ينظر منها كل جيل، انطلاقا من مهمته في الحياة والغايات التي يهدف إليها…، لا شك أن دور الشيخ ليس كدور الشاب والكهل، ولا غاياتهم كغاياتهما، وإن تقاطعا في حب الخير والعمل على إشاعته.

أما يوم الثلاثاء الذي كان موعدا أسلوعيا للقاء هؤلاء الأحباء، فللأستاذ قصة معه، فهو اليوم الذي كان يحضر فيه لمحاضرة الفاضل بن عاشور رحمه الله عندما كان طالبا في الزيتونة، ورغم أن المحاضرة لم تكن بالزيتونة إلا أن الطالب محمد الصالح الصديق، كان حريصا على حضور تلك المحاضرة للشيخ الفاضل الفاضل رحمه الله. وهو اليوم الذي كان يلتقي فيه مع الأستاذ فريد أبو الحديد، وهو أستاذ فاضل مثقف، من طبقة الرواد وصديق لبعضهم أمثال الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد.

فالأستاذ محمد الصالح الصديق عندما كان طفلا في القرية، كان يتمنى أن يكون مثل فريد أبو الحديد!! وربما كان يتمنى رؤيته، ولما زار القاهرة في خمسينيات القرن الماضي أثناء الثورة زاره وأعجب الأستاذ بالشاب الناشط… ولما نزل الأستاذ فريد أبو الحديد بليبيا، صادف وجود الشاب محمد الصالح صديق هناك ضمن الممثلين للثورة في ليبيا، فكان له لقاء معه كل يوم ثلاثاء.

فيوم الثلاثاء كان ولا يزال يوما للأحباء فعلا، فقد بدأ من تونس ومر بلبيا واستقر أخيرا في الجزائر، وفي كل ذلك كان هذا اليوم في محاضن أهل الفضل والريادة، من العلماء والكُتَّاب ومحبي الكتابة والكتاب، نتمنى لمثل هذه التجارب أن تعمم وتتحول إلى ملتقيات للأجيال، وجسور معرفة ومحبة بينها، وتعود للثقافة محاضنها الطبيعية… ليت قومي يعلمون بما ينفع الله بمثل هذه المبادرات الثقافية التي قام بها الأستاذ محمد الصالح الصديق، رغم تواضعها وضغر حجمها.

فشكرا جزيلا للأستاذ سي محمد الثصالح، على ما تفضل به علينا من وقته الثمين وإهدائه لنا هذا الكتاب.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

باب الزوار في يوم 9 نوفمبر 2021

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!