-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا تتكرّر هذه الظّاهرة كلّ عام؟

سلطان بركاني
  • 5834
  • 0
لماذا تتكرّر هذه الظّاهرة كلّ عام؟

ما كادت تمرّ أيام معدودات بعد رحيل الشّهر الفضيل حتى نسي كثير منّا أيامه ولياليه، وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل رمضان من غفلة وتفريط؛ عادت الألسن لتلفظ الكلمات النّابية.. عادت السّجائر لتلوّث الأنفاس مرّة أخرى.. عادت البيوت لتظلم وقت السّحر ووقت الفجر.. عادت الأغاني لتجلجل في المحلات والحافلات والسيارات مع الصّباح بعد ما تزيّنت بالقرآن خلال شهر من الزّمان…

تُرى، لماذا يحدث هذا ويتكرّر كلّ عام؟ ألسنا نؤمن بأنّ ربّ رمضان هو ربّ شوال؟ ألسنا نوقن برقابة الله علينا بعد رمضان؟ ألسنا نعلم أنّ على كلّ واحد منّا رقيبين لا يغادرانه في كلّ حين وكلّ آن؟ نحن نعلم كلّ هذا، ولكنّها نفوسنا الضّعيفة التي أصبحت ألعوبة بيد الشّيطان يلعب ويتسلّى بها كيفما شاء.. نفوس امتلأت بالدّنيا وأشربت حبّها، فهي تطلب الرّاحة من عمل الآخرة، ولا تملّ ولا تتعب من عمل الدّنيا.

إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن لحال شباب أنست بهم بيوت الله في أيام وليالي رمضان؛ شباب صلوا التراويح، وصفوا الأقدام في صلاة الفجر، شباب كانوا قبل أيام بين صيام وقيام، وتلاوة للقرآن، وذكر ودعاء، وخوف ورجاء.. والآن عادوا إلى النّوم عن الصّلاة.. عادوا إلى هجر بيوت الله وهجر القرآن.. عادوا إلى سماع الحرام وقول الحرام والنّظر إلى الحرام.. فلماذا يا تُرى نتعامل مع ديننا كأنّه حمل ثقيل يتحيّن الواحد منّا الفرصة ويبحث عن أتفه الأسباب ليلقيه عن ظهره؟ لماذا نتّخذ ديننا لهوا ولعبا ونحن نسمع قول ربّنا جلّ في علاه: {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون}؟

إنّ هذا التلوّن الذي ألفه كثير من المسلمين يمثّل طعنة قاتلة في ظهر هذه الأمّة التي هي في هذا الزّمان أحوج ما تكون إلى رجال أشدّاء يثبتون أمام المحن ثبات الجبال الراسيات. وأنّى لمن يتقلّب في دينه لأجل شهوات وأهواء نفسه أن يثبت في المحن والأزمات التي تزلزَل فيها القلوب.

ديننا دين عظيم لا يليق أن نتلاعب به ونراوغ.. دين يحسدنا عليه الملايير من المشركين والملاحدة والبوذيين، {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِين}. {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء}.. دين عرف قدرَه أعداؤه فسخّروا أموالهم وجهودهم ليصدّونا عنه، وعرف قدرَه المنصفون في الغرب والشّرق فاعتنقوه وأسبلوا الدّمعات أسفا على السّنوات التي ضيّعوها من أعمارهم ولم يعرفوه، ونحن نضيّع عشرات السّنين من أعمارنا نتلوّن ونراوغ!

ديننا كلّه يسر، لكنّه لا يقبل التلاعب والتلوّن، وليس سلعة وبضاعة مزجاة تباع بعرض من الدّنيا قليل.. دين الله يسر لكنّه يحتاج إلى مجاهدة للنّفس ومخالفة لأهوائها. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.. فعودوا لنأخذ ديننا بقوة كما أمر الله.. كفانا اتباعا للأهواء.. كفانا لهوا ولعبا بديننا.. كفانا روغانا وميلانا.. الواحد من التابعين كان يقول: “عشرون سنة وأنا أقود نفسي إلى الله وهي تبكي، ثمّ قدتها إليه وهي تضحك”، ونحن نريد أن ندخل الجنّة والواحد منّا لا يرفض لنفسه طلبا، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين}.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!