لماذا تلاشت روح نوفمبر؟
بعد مرور ستين سنة على اندلاع الثورة التحريرية يحق لنا أن نتساءل: لماذا تلاشى نوفمبر بما يمثله من معاني التضحية والجهاد وإنكار الذات والعمل الجماعي والنزاهة والإخلاص للوطن؟ ولماذا أصبح كل هذا مجرد مناسبة تنظم فيها الاحتفالات وتردد فيها الخطب في مشاهد فلكلورية تتكرر كل عام من دون أن يكون لها تأثير على الجيل الجديد من الشباب؟
من الغريب أن يتحول الشباب إلى موسوعات معلوماتية عندما يتعلق الأمر بنجوم الكرة في العالم، يحفظون أسماء اللاعبين والفرق، ويتابعون أخبار التنقلات والمباريات، ولهم اطلاع واسع على تاريخ التّتويجات الكروية، لكن عندما يتعلق الأمر بالثورة ورجالها وإنجازاتها لا تكاد تجد من يستطيع تعداد ثلاثة من شهداء الثورة الذين لولا تضحياتهم لبقينا إلى الآن نمسح أحذية المعمّرين…
نسمع كلاما كثيرا عن كتابة تاريخ الثورة وتبليغ رسالة الثوار إلى الأجيال، لكنه مجرد كلام تلوكه الألسن في المهرجانات الاحتفالية، والبرامج التلفزيونية والإذاعية التي حولت أخطر ثورة في التاريخ المعاصر إلى كلام جاف في قوالب جاهزة لا يكاد يتجاوز الحناجر.
من المسؤول عن هذا الوضع؟ هل هو السّلطة التي غيّبت روح نوفمبر بتوظيفها للشرعية الثورية في ضمان الاستمرار في الحكم؟ أم المسؤول هو الأسرة الثورية نفسها التي قدمت الحقوق على الواجبات؟ أم المؤسسات التربوية التي غرقت في المشاكل وتخلت عن واجبها في إطلاع الأجيال الجديدة على تضحيات جيل الثورة؟ أم المسؤول هو الأحزاب السياسية التي انغمست في لعبة المصالح؟
وحتى موجة المذكرات التاريخية كانت نتيجتها عكسية لأنها خاضت بشكل مفاجئ في المسكوت عنه منذ عقود، وأصبح الموضوع الرئيسي لهذه المذكرات هو الخلافات والتصفيات التي حدثت بين قادة الثورة وغيبت معاني التضحية والشجاعة والإقدام بين ثنايا هذه المذكرات، إلى درجة أن المرحوم لخضر بن طوبال تراجع عن نشر مذكراته بعد أن سمع ملاحظة قيلت له من أحد مقربيه عندما قرأ ما كبته، حيث قال له: “ما فهمته من مذكراتك أن الحرب كانت بينكم بصفتكم قادة للثورة ولم تكن ضد فرنسا”.
نحن فعلا نعيش نكسة حقيقية كنا نحن سببها، ولم نكن أبدا في مستوى الأمم التي صنعت لنفسها تاريخا من العدم وقدمته في صورة غاية في الجمال والتشويق.