الرأي

لنا.. حراسة المرمى فقط

الشروق أونلاين
  • 8163
  • 25

منظر الجزائريين صباح أمس وهم في حالة أقرب إلى الخشوع في تصفح اليوميات وقراءة أسماء اللاعبين المدعوين للتربص في سويسرا تأهبا للمشاركة في كأس العالم لكرة القدم تؤكد أن موعد جنوب إفريقيا الذي ينتظره العالم ولا نقول العالم الكروي هو أهم حدث في بلد بإمكانه أن يصنع الحدث المالي والسياحي والثقافي كل يوم، وليس كل ربع قرن كما هو الشأن مع كرة القدم..

وإذا كان المواطن البسيط الذي اشترى صباح أمس حتى لا نقول فجر أمس الصحيفة لقراءة أسماء اللاعبين قد تاه في الجانب الفني والبدني والتكتيكي لكل لاعب، وحاول فك الطلاسم التي ميزت هذه الخيارات من المدرب الوطني، فإن القراءة الاجتماعية والسياسية لهذه الخيارات تفرض نفسها وبقوة، وتجعلنا لا نتوقف فقط أمام الأسماء المدعوة للمشاركة في التربص وربما في المنافسة، وإنما تدفعنا للتفكير في المستقبل ومباشرة التكوين حتى نفتخر مستقبلا بمنتخب وطني تأسس في المدارس الجزائرية، ولا ندع للإعلام الفرنسي بالخصوص فرصة تأويل المشاركة الجزائرية في أهم حدث رياضي عالمي حسب أهوائه وربما حسب قناعاتنا ..

عندما باشرت الجزائر الاستثمارات الكبرى في مجالات عديدة وفتحت سوقها للعالم توافد الغربيون بقوة نحو حقول النفط وشاركوا بشراسة في تجفيف ضروع البقرة الحلوب في حاسي مسعود فكانوا يصطحبون المهندسين والاختصاصيين ويتركون للجزائريين الحراسة، والفوز بمنصب “آجون دو سيكيريتي” مع هذه الشركات هو حلم العمر لدى الكثير من الشباب، بمن فيهم أصحاب الشهادات العليا، كما توافد الصينيون على سوق السكن واليابانيون على سوق الطرقات، فكانوا يصطحبون معهم المختصين في الهندسة المدنية ويتصارع الجزائريون أيضا على مركز الحراسة في قواعد الحياة التي يعيش فيها الأجانب أو في ورشات الشغل، ولم تنجح إلا القلة من القطاعات والمؤسسات الشريكة للمستثمرين الأجانب من انتزاع مكانة للإطار الجزائري الذي تعبت الدولة الجزائرية ماديا ومعنويا لأجل تكوينه.. والآن وعندما بزغ الأمل الكروي الجزائري وبلغنا نهائيات كأس العالم التي حتى لا ننسى بلغناها ولم يتجاوز سن الجزائر المستقلة العشرين عاما بأقدام تكونت في حارات حسين داي والقبة وأزقة معسكر، وجدنا الآن أنفسنا حبيسي المعادلة الاستثمارية التي تمنح الرأس المدبر للمدرسة الأوروبية وتترك لنا الحراسة الأمنية بما في ذلك حراسة مرمى المنتخب الوطني، من خلال منح الثقة كلها لمنتوج المدارس الكروية الفرنسية حتى بلغ من بين خمسة وعشرين لاعبا تم استدعاؤهم لتربص سويسرا رقم المتكونين في المدرسة الجزائرية من لاعبي الميدان ثلاثة فقط، اثنين منهم يحملون شارة الاحتراف بين البرتغال وفرنسا، والثالث هو نفسه يعلم أن تواجده في كرسي الاحتياط سيكون معجزة، ولولا منصب الحارس مرة أخرى لكان المسافرون جميعا إلى بلد نلسون مانديلا من إنتاج فرنسي.

كلنا نعتز بأي جزائري سواء ولد في فرنسا أو على سطح القمر، وكلنا ندعو إلى نقل تجربة الكرة إلى بقية المجالات حتى تستفيد الجزائر من أطبائها ومهندسيها ومقتصديها وقانونييها المتواجدين في الخارج، كما تستفيد من مبولحي المغترب في بلغاريا أو كارل مجاني، وكلنا ندعو إلى نقل التكنولوجيا والاستثمار، ولكننا في نفس الوقت من المفروض أن نسأل لماذا توقفت المدرسة الجزائرية في الفن والرياضة والعلوم عن إنجاب المتفوقين؟.. أو لماذا ما عدنا نثق في إنتاج هذه المدارس.. وتركنا للمتخرجين منها حراسة الورشات الصناعية وقواعد الحياة التي يعيش فيها الأجانب.. وحتى حراسة المرمى.         

مقالات ذات صلة