-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"القصبة" تطلق الجزء الرابع من "مذكرات جزائري"... الإبراهيمي:

.. لهذه الأسباب التزمت الصمت!

زهية منصر
  • 16446
  • 1
.. لهذه الأسباب التزمت الصمت!
أرشيف

يتوقف أحمد طالب الإبراهيمي في الجزء الرابع من مذكراته “مذكرات جزائري مخاوف وآمال 1988-2019” والتي أطلقت منشورات “القصبة” جزأها الرابع بحر هذا الأسبوع، عند أهم الأحداث السياسية التي عرفتها الجزائر منذ انتفاضة أكتوبر 1988 إلى الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عابرا أهم المحطات الصعبة التي مرت بالبلاد منذ صعود جبهة الإنقاذ وتوقيف المسار الانتخابي وصولا إلى الاغتيالات السياسية زمن الإرهاب وأرضية سانت ايجيديو والمصالحة الوطنية.

يأتي هذا الجزء من مذكرات الإبراهيمي تكملة للأجزاء الثلاثة الأولى التي صدرت عن “دار القصبة” دائما بداية من 2005 إلى 2016. وكان مقررا إصدار الجزء الرابع منها قبل اليوم ولكنه توقف بسبب الأزمة الصحية التي ألمت برفيقة دربه كما يذكر ذلك في المقدمة.

يبدأ أحمد طالب الابراهمي هذا الجزء من مذكراته منذ إبعاده عن الفريق الحكومي في 7 نوفمبر 1988 وهذا بعد 23 سنة من الخدمة. مدة يقول الإبراهيمي أنها كانت مليئة بالأحداث والحركة والالتزامات التي أبعدته عن عائلته التي عاد إليها لاحقا بعد أن وجد أبناءه وقد كبروا وصارت لهم حياة خاصة وآراء مستقلة.

الابتعاد عن العمل الحكومي والالتزام الوظيفي لا يعني أبدا بالنسبة لأحمد طالب الابتعاد عن السياسة؛ فقد ظل لصيقا بالأحداث التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة، خاصة وأنها صادفت منذ نوفمبر 1988 بداية صفحة جديدة في تاريخ الجزائر بعد أحداث أكتوبر التي جاءت بحكومة قاصدي مرباح خلفا لحكومة عبد الحميد براهيمي وعقد مؤتمر حزب جبهة التحرير الذي أقرّ التعددية ومنح الشاذلي بن جديد عهدة ثالثة على رأس الدولة. وعين مهري أمينا عاما للحزب مكان محمد الشريف مساعدية، في حين ظل الإبراهيمي عضوا باللجنة المركزية للحزب.

يدافع الابراهيمي في مذكراته عن حزب جبهة التحرير ويبرئه من كل التهم والانتقادات التي طالته، إذ يعتبر المتحدث أن الحزب الذي ساهم في تحرير الجزائر من المستعمِر لم يكن في الحكم كما يشاع ولكنه كان مجرد جهاز استعملته السلطة وقد اخترقه المتسلقون والانتهازيون والفاسدون. ويضيف المتحدث أن بعض القرارات المصيرية كانت تُتَّخذ خارج أجهزة حزب جبهة التحرير. ويذهب الابراهيمي بعيدا ويقول أن النظام الذي استخدم الحزب لم يبحث يوما الدفاعَ عنه، بل تخلى عنه وذهب بعض رموزه إلى حد الدفاع عن تهميش الحزب وإحالته إلى المتحف.

ويبرر أحمد طالب الابراهيمي فترة صمته منذ مغادرة الفريق الحكومي بعدم رغبته في “إزعاج الذين يسيِّرون البلد”.

ويؤكد صاحب المذكرات أن صيف 89 كان استثنائيا وتميز بالإعداد لمؤتمر الحزب وإقرار التعددية السياسية والتي أفرزت لأول مرة أحزابا زاحمت جبهة التحرير بعد التصاعد المطرد لـ”الفيس” الذي وجد في الساحة أحزابا إسلامية أنشئت للحد من صعوده وهي النهضة وحماس، كما تم إطلاق حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية “الأرسيدي” للوقوف في وجه “الأفافاس”.

يتطرق أحمد طالب في الجزء الرابع إلى الاجتماع الذي جمع “قدماء” الآفلان في سبتمبر 1989 والذي ضم محمد الصالح يحياوي الذي كان الأقرب لخلافة بومدين “لولا أن جماعة الضباط اختاروا الشاذلي بن جديد” ومحمد الشريف مساعدية والجنرال كمال عبد الرحيم الذي خلف الشاذلي بن جديد على رأس الناحية العسكرية الثانية والجنرال لكحل عياط، وقد انضمّ لاحقا لهذه المجموعة ثلاثةٌ من قدماء مجلس الثورة هم الطاهر الزبيري والشريف بلقاسم وعبد العزيز بوتفليقة والذي كان قد عاد لتوه إلى البلاد بعد غياب طويل بين سويسرا والخليج ورابح بيطاط الذي استقال من رئاسة المجلس الشعبي الوطني شهر أكتوبر 1990 وبوعلام بن حمودة.

كانت المجموعة تلتقي دوريا وتعقد اجتماعاتها عند يحياوي أو عند مساعدية أو عبد الرحيم أو حتى عند بيطاط، لكن في أغلب الأحيان في منزل الإبراهيمي.
يقول الابراهيمي أن الدوافع لهذا النشاط كانت متعددة، بالنسبة للبعض كانت رغبة قوية في إيجاد مكان سواء في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي للأفلان أو في الحكومة، والبعض كان يحركه العداء ضد الرئيس الشاذلي بن جديد، والبعض الآخر كان يريد رأسه، وآخرون كانت تقودهم رغبة صادقة في تشكيل لجنة الدفاع عن الآفلان التاريخي، فيما كان البعض الآخر يريد خلافة الشاذلي بن جديد عبر انتخابات رئاسية مبكرة، لأنّهم يرون أن العهدة الثالثة للشاذلي بن جديد غير مبررة سياسيا وقد تسيء إلى الحزب والبلد معا.

هذه المجموعة التي حاولت أن تقدِّم نفسها كمعارض لنظام متجدد وجدت صعوبة في مواجهة الوضع، لكنها تمكنت من فرض ندوة وطنية لقدماء إطارات الثورة في 22 نوفمبر 1989 بالعاصمة، وهذا عشية المؤتمر الاستثنائي للحزب، وطالبت الندوة بجملة من النقاط منها: انتخاب مكتب المؤتمر قادر على تسير الأعمال بموضوعية ومصداقية، تبني نظام داخلي يضمن للمؤتمرين التعبير عن آرائهم والمشاركة في القرارات، وكذا انتخاب مكتب سياسي قادر على استعادة الثقة بين القمة والقاعدة اي بين الآفلان والشعب.

ويرى المتحدث أن أكبر مشكلة كانت تواجه صناع القرار هي غياب الديمقراطية داخل الحزب، ومن النفاق الادعاء بأن رئاسة الحزب شرفية بحتة، أو رفع شعار “الآفلان قوة الوحدة والحوار”. في الواقع كانت المعركة غير متكافئة بين نظام يملك القوة وأجهزة الأمن والإعلام والوسائل المادية للضغط الخارجي وبين معارضة لا تملك شيئا.

تشهير بلعيد عبد السلام

لم يفوِّت أحمد طالب الإبراهيمي فرصة الرد على ما اسماه في مذكراته بـ”تشهير بلعيد عبد السلام” وأوضح أنه “في الوقت الذي كانت فيه جماعة قدماء الآفلان تشكِّل موقفا موحدا في محاولة للبحث عن حل للبلاد التي كانت تواجه أزمة وحربا أهلية، نشر بلعيد عبد السلام الذي كان هو الآخر من قدماء الحزب كتابه “الغاز الجزائري” الذي تهجّم فيه عليه بطريقة اعتبرها عنيفة، وقال المتحدث إن المسؤولية في الجهاز الحكومي كانت جماعية وإذا كان قد امتنع عن توجيه النقد لزملاء ورفقاء الطريق فليس من أجل تحويل وجهة الحقيقة والشفافية، لكن تجنبا للسقوط في فخ الذين تعوّدوا الإساءة وتحطيم رموز ثورة التحرير منذ أحداث أكتوبر 1988 وتهميش الآفلان والمجاهدين وتشويه سمعة كل من يذكّر بالنضال ضد المستعمِر، وقال انه قام بإلغاء الرد الذي كان سيُبث على القناة الإذاعية الثالثة في حصة “شفافية” نزولا عند طلب أصدقاء، لأن العراك بين رفقاء الدرب لم يكن يخدم غير السلطة.

وأوضح الابراهيمي ردا على صاحب كتاب “الغاز الجزائري” انه يعرف بلعيد عبد السلام منذ 1949 وأنه فوجئ بورود اسمه، ويعرف ايجابياته وسلبياته، وقال إن ملف “ألباصو للغاز” قد أسنده الشاذلي بن جديد لطالب الإبراهيمي، لأن الطاقم الحكومي كله يعلم أن الملف أسند “لوزيرين اثنين لم أكن أنا من بينهما”.

وقال المتحدث إن عبد السلام اتهمه بـ”الغيرة من الإطارات الشابة لسوناطراك”، وهذا أمر سخيف، لأنه “على طول مساره كمدرِّس جامعي للطلبة في جامعة الجزائر في مادة “أمراض الدم” في كلية الطب أو في المدرسة الوطنية للإدارة في مقياس “الحضارة الإسلامية”، كان يفرح لكل نجاح يحققه طلبته كما يفرح لنجاح أي جزائري، ويشعر بالفخر في المساهمة في هذا النجاح”.

وأردف قائلا: إن بلعيد عبد السلام الذي يعرف خصاله كما يعرف سلبياته لم يهضم أن تتم تسميته وليس انتخابه من طرف عبان رمضان في 1956 كعضو في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، وأن يتم اختياره عام 1977 من طرف بومدين وزيرا مستشارا للرئيس. ويضيف الإبراهيمي أن ذروة السخرية عند عبد السلام انه اتّهمني عندما كنت وزيرا للخارجية أنني حوّلت وجهة الأموال إلى الغرب في السياسة الخارجية لبلادي، وقال أن تربيته في بيت الشيخ الابراهيمي لا تسمح له بما تلفظ به عبد السلام، بل العكس هو الصحيح يقول صاحب المذكرات.

“عندما كنت على رأس الخارجية وجدت أن عدم الانحياز لدينا كان متذبذبًا”. وأنه ساهم لما كان على رأس الخارجية في إعطاء دفع للحوار مع دول الغرب وتعميق العلاقات الاقتصادية مع الشرق مما مكن الجزائر من طرح وجهة نظرها بدون عقد في عدة مسائل منها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية وحوار شمال جنوب والسلم في حوض المتوسط.

وقال عن بلعيد عبد السلام أنه تلفظ بأكاذيب كثيرة أعلن عن بعضها ودفن البعض الآخر، لأن الأجيال الجديدة من الشباب تحتاج أشياء أخرى من جيل نوفمبر أكبر من كتابات مستمدة من الكراهية.

المؤتمر الاستثنائي لحزب جبهة التحرير 1989

تطرّق أحمد طالب الإبراهيمي في هذا الجزء من الكتاب لوقائع المؤتمر الاستثنائي لحزب جبهة التحرير، إذ كانت أول مرة يتحدث مسؤولو الحزب ويتم إخراج كلامهم إلى العلن بطريقة لم تكن من قبل متاحة، ويقول صاحب الكتاب إن البعض رأى في مرافعته باسم الإسلام محاولة لقطع الطريق على الفيس، لكنه يؤكد أن الأفكار التي طرحها خلال المؤتمر كانت موجودة في كتاباته منذ 1952. وقال إنه اغتنم التعددية ورياح الحرية والديمقراطية التي هبَّت على الحزب ليكشف أمام المؤتمرين وزملاء الحزب أسباب قطيعته مع الشاذلي بن جديد والذي بقي رئيسا للحزب “لست أدري لماذا أعطاني الشاذلي الكلمة في البداية رغم أني طلبت من مهري أن أكون أوسط من يتحدث”.

وفي ختام الجلسة فكرتُ في تقديم استقالتي احتجاجا على استعمال التعذيب أثناء أحداث أكتوبر 1988، لكن بعض الأصدقاء أقنعوني بالتراجع عن الفكرة حتى لا أكون سببا في فشل المؤتمر وحتى لا اُتَّهم بالانسحاب في الوقت الذي كان فيه البلد يعبر مرحلة جديدة، وقال الإبراهيمي إن خطابه اعتُبر بمثابة إعلان ترشح للرئاسة، وسريعا تشكلت خلية من أربعة عناصر اقتنعت بأن اللعبة رابحة وهم كمال عبد الرحيم، لخضر عياض، محمد نابي، محمدي السعيد والتحقت بعدها مجموعة من الأشخاص أمثال شفيق مصباح ونور الدين آيت مازي وعباس ديلمي وغيرهم…

لقاء طالب بالشيخ عباسي مدني
في هذا الجزء من المذكرات يعود أحمد طالب الإبراهيمي إلى وقائع لقائه مع الشيخ عباسي مدني في 29 أفريل 1990، إذ دار الحديث بينهما عن أحداث أكتوبر وفشل النظام في تسيير الأزمة، وقال الإبراهيمي أن الادِّعاء بأنه ومنذ 1962 لم يتحقق شيء أمرٌ مجانب للحقيقة وغير عادل، لكن بعض المنتسبين إلى الآفلان لم تكن لهم علاقة من قريب أو من بعيد بتسيير الحزب أو المجلس الشعبي الوطني، وأضاف أن بعض المنتسبين إلى “الفيس” المُحلّ لم يصلوا بعد إلى السلطة ومع ذلك بدأ بعض وجوهه المشهورة يميل إلى مغريات السلطة وكسب المال بطرق مشبوهة.

ويقول الإبراهيمي إنه وفي الجلسة التي جمعته بعباسي مدني دار الحديث حول الشق الاقتصادي في مشروع “الفيس” المُحلّ والذي كان حتى تلك اللحظة مبهما وغير واضح، ومفهوم المواطنة والأسس القائمة عليها.

ويعتقد الإبراهيمي أن صعود “الفيس” استفاد من الإرث الأخلاقي للأفلان واستغل تناقضاته، كما استفاد من الشرخ الحاصل بين الخطاب ومسار إطارات الحزب والدولة، وقد ظهر كوريث لخطاب أول نوفمبر الذي وُضع كإطار لتشكيل “دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نمام

    طبعا المذكرات ليست تاريخا وانما راي قد يستفاد منها ولكن راي في احداث ومهما يكن جيل قد ادى دوره وتحميله فوق طاقته امر ضدمنطق التاريخ ومعظم هؤلاء قد بلغوا تعدوا السبعينات ومنهم قد لقي ربه ولا زالوا يعيشون على امجادهم الامور اليوم تغيرت وبالنسبة لهم قصور ذاتي وتبقى مواففهم للتارخ ويبقوا للتاريخ