-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
التحقيقات متواصلة وجميع نشاطات النقل البحري تحت المجهر

لهذه الأسباب انتفض الرئيس تبون ضد فساد البحر!

نوارة باشوش
  • 10994
  • 0
لهذه الأسباب انتفض الرئيس تبون ضد فساد البحر!

لم تكن الحرب التي أعلنها الرئيس عبد المجيد تبون ضد الفساد الذي عشش في قطاع النقل البحري مجرد قرارات ناجمة عن تخمينات، بل كانت مبنية على حقائق خطيرة جدا، عن مخطط لتحطيم أسطول النقل البحري الجزائري، لصالح شركات أجنبية منافسة.

وتعرض أسطول النقل الجزائري لما يمكن تسميته “عملا تخريبيا ممنهجا”، من طرف “زمرة فاسدة”، حاولت عرقلة الإصلاحات والتوجه الجديد لإنعاش المجمع الجزائري البحري، الذي يعتبر شريانا مهما للتجارة الخارجية ونقل الأشخاص والتبادل، خاصة بالنسبة للدول المطلة على البحار والمحيطات.

وفي التفاصيل الحصرية التي بحوزة “الشروق”، فقد أزالت التحقيقات التي قامت بها مصالح الأمن الداخلي بأمر من نيابة الجمهورية لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، الستار عن “كوارث” بكل المقاييس وقضايا فساد طالت الشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ تكبدت فيها الدولة خسائر بملايير الدينارات، دفعتها الخزينة لإنقاذها من الإفلاس.

وكشفت التحقيقات أن الدولة دعمت ولسنوات عديدة مجمع النقل البحري (GATMA)، والذي يضم 6 فروع، اثنان منهما مختصان في النقل البحري للبضائع، الأول هو الشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ (CNAN _ Nord) والثاني “الشركة الوطنية للنقل البحري ـ متوسطية (CNAN _ med) وشركتان في  قطاع الخدمات البحرية وهما (NASHCO et GEMA)، إلى جانب الشركة الخاصة لنقل المسافرين (ENTMV) وأخرى في مجال الصيانة البحرية وبناء السفن (ERENAV).

وبلغة الأرقام، استفادت الشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال – والتي هي محل التحقيق القضائي، سنة 2013 مما يقارب 4500 مليار سنتيم، لكن بسبب سيطرة “زمرة فاسدة” على مفاصل القطاع وتوظيف المحسوبية والمحاباة في مجالات منح الصفقات والتوظيف والمشتريات والعمل لصالح شركات النقل البحري الأجنبية على حساب المجمع البحري الجزائري، إضافة إلى عدم وضوح اللوائح والقواعد والضوابط القانونية، الجمركة، التجارة والنقل البحري، لم تبرز نتائج استثمارها على أرض الواقع.

وكشفت التحقيقات أيضا، حسب مصادرنا، أن المدير العام للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ المدعو “ج.ل” الذي تم إيداعه الحبس المؤقت الثلاثاء الماضي، والذي شغل المنصب من سنة 2014 إلى غاية 2016، ثم عين كمدير عام للشركة الوطنية للنقل البحري ـ متوسطية ـ ليعود إلى نفس المنصب الأول أي المدير العام للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ ابتداء من سنة 2022 إلى غاية يوم توقيفه في 22 مارس الجاري، عاث فسادا في هذا المجمع البحري.

وأظهرت التحقيقات أن هذا المدير المسجون قام في الفترة الممتدة بين 2014 إلى غاية 2016 بمخالفة تعليمات مجلس مساهمات الدولة “CPE”  بشراء 16 سفينة جديدة للنقل والشحن البحري من مختلف الأنواع على غرار نقل الحبوب، نقل الحاويات وكذا الشحن العام.

وقام المتهم بدلا من ذلك بشراء 7 سفن قديمة ومستعملة وغير مبنية خصيصا للشركة الوطنية للنقل البحري، كما أن هذه السفن كانت من نوع واحد فقط، وهو ما اعتبر مخطط ممنهج لتحطيم الأسطول البحري الجزائري ومنح الأفضلية للشركات الأجنبية المنافسة عمدا مع سبق الإصرار والترصد.

اهتراء السفن الجزائرية.. وسيطرة البواخر الأجنبية على غذاء الجزائريين

والأخطر من ذلك، وحسب ما وقف عليه المحققون في الميدان وبالأدلة والقرائن، فإن هذه السفن منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا تعرضت للاهتراء بسبب الإهمال وغياب الصيانة والاهتمام الفعلي وعدم استيفائها لبعض شروط الملاحة الدولية مما جعلها تتوقف عن النشاط نهائيا وتتعرض لتحفظات تقنية وتوقيفها في موانئ أجنبية، وفقا لما ينص عليه القانون البحري الدولي، والذي يعتبر انحرافا خطيرا لهذه المؤسسات، ما مكّن شركات النقل البحري الأجنبية من التحكم في الأمن الغذائي للجزائريين من ناحية الشحن الخاضع لسيطرة شركات أجنبية، بسبب محدودية إمكانات الشركة الوطنية للنقل البحري للبضائع.

وفي هذا السياق، تشير الأرقام التي تحوزها “الشروق”، إلى أن 18 مليون طن، من مواد غذائية أساسية من حبوب وذرة وزيت خام وحليب جاف وغيرها تشحن على متن بواخر أجنبية، بتكاليف مرتفعة جدا، على حساب الخزينة العمومية ضمن سعر تضاعف 5 مرات.

ولهذا الأسباب ثارت ثائرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أمر صائفة 2022 بفتح تحقيق لمحاسبة المتسببين في تدهور قطاع النقل البحري، على جميع المستويات والمسؤوليات، مشددا على أن “إعادة بعث قطاع النقل البحري، يقتضي محاربة الإهمال ومحاولات تكسير هذه المؤسسة العمومية الاستراتيجية بكل الطرق”.

كما أمر الرئيس تبون بدمج الشركتين الوطنيتين “كنان متوسطية” و”كنان شمال” المتخصصتين في النقل البحري في شركة واحدة، مع إعادة النظر “جذريا” في هيكلة وسياسة النقل البحري للبضائع، على كل المستويات، من أجل تأهيله وعرض مشروع استراتيجية التسيير الجديدة في أقرب الآجال.

كشف المستور بتوقيف سفن جزائرية بالخارج وعودة أخرى فارغة

إصدار هذه التعليمات من طرف الرئيس تبون لم يأت من فراغ، فقد كشفت عمليات توقيف سفن جزائرية في موانئ دولية سنة 2021، وعودة سفن نقل المسافرين “برج باجي مختار 3 وطاسيلي 2” من مرسيليا نحو الجزائر شبه فارغتين، عن “إهمال” مفضوح و”تواطؤ مسؤولين” لتحطيم الأسطول البحري الجزائري وإبقائه في تبعية لشركات دولية، وقد أثارت هذه الحوادث “غير البريئة” جدلا واسعا، نظرا لربطها بمشاكل مالية وتقنية، في وقت كانت فيه معظم شركات النقل العالمية تعاني من وضع مشابه بسبب تأثيرات الجائحة الصحية التي امتدت لثلاث سنوات.

وفي هذا السياق، أعطى رئيس الجمهورية تعليمات بالعمل بكل الوسائل، من أجل تسوية تقنية للبواخر الجزائرية في الموانئ الدولية، بالتعاون بين سفراء الجزائر في الدول المعنية، ومسؤولي قطاع النقل، إلى جانب فسح المجال أمام الخبرات الجزائرية المتخصصة في البحرية، ولاسيما الشباب المؤهل والقدماء في هذا المجال، لاستحداث شركات في مجال إصلاح السفن.

نشاطات النقل البحري تحت المجهر

وأكدت مصادر “الشروق” أن نيابة الجمهورية وقضاة التحقيق لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، يعملون على مدار 24 ساعة لكشف جميع ملابسات وخيوط “المخطط الممنهج” لتحطيم الأسطول البحري الجزائري، الذي كان يضم 78 سفينة خلال سنوات الثمانينيات، لكنه تدحرج في التصنيف وتعرض للتفكيك والبيع أو للغرق المبرمج.

وستشمل التحقيقات جميع الشركات التابعة للنقل البحري سواء تعلق الأمر بشحن البضائع أو نقل المسافرين، والأكيد أن التحريات الجارية ستطيح برؤوس كثيرة في هذا القطاع الذي نخر جسده الفساد ودفع به إلى هذا المستوى من التدهور وجعله يفقد حصته من سوق النقل البحري الدولي.

وكان قاضي التحقيق القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، قد أمر يوم  21 مارس بحبس المدير العام الحالي للشركة الوطنية للنقل البحري للبضائع “شمال” المدعو “ج.ل” والمديرين العامين السابقين للشركة  “ع.س.و” و”غ.س.ع”، كما أمر بوضع 14 متهما آخر تحت إجراء الرقابة القضائية في وقائع فساد طالت شركة “لكنان”.

وقد وجهت للمتهمين تهم ثقيلة تتعلق بإبرام صفقات وعقود بطريقة مخالفة للقوانين والتنظيمات وتجاوزات في تسيير الشركة، والتواطؤ لتبديد المال العام، من خلال التسبب في التوقف التقني وعدم استغلال سفن شحن تابعة للشركة وتوقفها على مستوى الموانئ الداخلية وتوقيف بواخر أخرى بموانئ أجنبية، وبالنتيجة التأثير على نشاط ومعاملات الشركة وتدهور وضعيتها المالية رغم الدعم المالي المقدم لها من طرف الدولة، مما ألحق أضراراً مالية كبيرة بالشركة والمجمّع والخزينة العمومية، وتم فتح تحقيق ابتدائي في الوقائع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!