الرأي

لوموا أنفسكم

عمار يزلي
  • 1224
  • 4
ح.م

الفتح الذي يتطلع إليه البعض ابتداء من الفاتح من جويلية، في ظل التصاعد اليومي لوتيرة انتشار الوباء على خلفية الفتح السابق والعودة التدريجية لممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية، بات يقلق اللجنة العلمية وصنّاع القرار والكثير منا ممن حافظوا على احترام الإجراءات الصحية طيلة أربعة أشهر.

عالميا، نشهد نفس الظاهرة، كون الأمر عندها مرتبطا بأولوية الاقتصاد والعمل في ظل الفيروس الباقي.. ويتمدد، فلا يمكن غلق البلد والعمل مدة أطول، لأن الانهيار الاقتصادي سيكون أقوى من الانهيار الصحي. هي معادلة صعبة بالفعل: أن تختار العيش على الموت عن طريق المفاضلة بين طريقتين لموتٍ واحد: جوعا أم مرضا. فكلا الأمرين مرّ.. لا أحدهما.. أحلى.

الأمر يعود بالتأكيد إلى المواطن والساكنة الذين قد نتفهّم سبب تراخيهم بطول مدة الحجر، لكن لا نتفهّم من لم يقم من البداية بأدنى جهد للاحتراز، وجرَّ عائلته والجيران وعائلات أخرى وأناسا آخرين إلى المستشفيات وأحيانا إلى المقابر فقط، لأنه “لا يتحمل وضع الكمامة” أو لأنه “لا يحبها” أو عبثية “مش بصّح.. هي مكيدة سياسية”، مع أنه يرى ما يجري في العالم.

البعض، لقصر بُعد نظره، يقول لك، عندما يحدِّثك في أمر الوباء: “لا يوجد وباء أو هو تضخيمٌ إعلامي فقط، فأنا لا أعرف أحدا أصيب أو مات بكورونا، وبالتالي فالوباء وهمٌ وتخويف ليس إلا..”. هذا النوع موجودٌ بكثرة وأعرف الكثير منهم، لأنهم يرون حدود الجزائر في حدود الحي أو المدينة التي يقطنون ويرون 44 مليون جزائري في 44 عائلة يعرفونها.. إنهم يختصرون البلد في معارفهم فقط، تماما كما كنا نرى ونفكر صغارا بعد الاستقلال في الجزائر المستقلة بأن الجزائر هي قريتنا وبعض المدن التي نعرفها أو زرناها.. لا غير.

هذا القصور الفكري، والذي تضاف إليه مواقف وسلوكيات بعض المزايدين، إما من السياسيين بلا سياسة أو من المتنطعين أو مرضى الغلو والبارانويا أو أصحاب “كبرٌ ما هم ببالغيه”… هم سبب طول مدة الحجر التي أوصلنا جميعا إلى حدِّ إطالة مدة المرض دون التمكُّن من الخروج من الأزمة.

من جهة التسيير العلمي والسياسي، كان أكثر من كبير، للأسف لم يقابَل منا بمساعدة بالمثل وللأسف، لا يزال البعض ينكر على السلطات الكثير وهي منها براء. يكفي أن ننظر إلى دول أخرى كيف تعاملت مع أطبَّائها وشعبها بازدراء وكبرياء: لننظر إلى أعظم دولة في العالم التي تتصدر اليوم أكبر عددٍ من الإصابات وعدد الوفيات.. ألم يكن هذا بسبب التسيير السياسي المترهِّل وغير المكترث والرافض للغلق ولصحة المواطن؟ ألم يشكك ترمب في بداية الأمر ويرفض إلى اليوم وضع الكمامة مثله مثل رئيس البرازيل؟ حتى بقرار قضائي؟ لماذا يدعي ترمب أن الأمر كله دعاية ديمقراطية وخبثٌ اقتصادي صيني؟ ألم يفعل هذا رئيسُ البرازيل بسبب نفس الذهنية اليمينية المتعالية المتعجرفة؟ هي نماذج واضحة ترأس اليوم الدول الأكثر تضررا في العالم. وفي مصر أكثر من 100 طبيب توفي من جراء الوباء، ورئيس وزراء يلقي باللائمة على الجيش الأبيض، لأن الدولة لم تتمكن من كفاية أطباء وشعب “كفاية”.. كل هذا فقط للتذكير وللمقارنة بما قامت به الدولة منذ أول يوم ووصول أولى الحالات المشكوك فيها من الرعية الايطالي والعائلة المقيمة بفرنسا. كان هذا منذ 25 فبراير..

إذن، لا لوم على الدولة ولا لوم على أحد إلا من رفض الامتثال لبروتوكول الأطباء، وهم يتحمَّلون مسؤولية تاريخية أمام أنفسهم وأمام من ماتوا بسببهم.. وفي الأخير.. أمام الله.

مقالات ذات صلة