الرأي

لِمَ لا أكون رئيسا؟

محمد سليم قلالة
  • 1145
  • 7
أرشيف

يكشف التوجُّه بأعدادٍ كبيرة نحو الترشح للانتخابات الرئاسية في أحد جوانبه وجود مشكلة أخلاقية حقيقية في المجتمع. ويعكس في جانب آخر الانقلاب الكبير الحاصل في القيم على المستويين الرسمي والمجتمعي.

المشكلة الأخلاقية، يُمكِنُ التعبيرُ عنها بأن التواضع لم يعد سمة من سمات المجتمع، وأن الكثير من الناس لم تعد عبارة “رحم الله امرأ عرف قدر نفسه” تعني لهم شيئا، فكل الموازين مقلوبة وليس هناك مِن مانع لأي كان أن يَدَّعي القدرة على فعل أي شيء، حتى ولو كان ذلك رئاسة الجمهورية… أما المشكلة القيمية، وهي الأخطر، فتتعلق بوصول الناس إلى قناعة أن كل سُلَّم القيم أصبح مقلوبا في المجتمع، واستخلاصهم تبعًا لذلك أنه لا مانع لأي كان أن يتطلع إلى أي منصب كان ولو كان منصب رئيس الجمهورية، ماداموا يرون ما دونهم مستوى وكفاءة في مناصب كبيرة، وأحيانا تشريعية سامية في الدولة، فلِمَ لا يتطلع أحدُهم أن يكون القاضي الأول في البلاد؟

وقد تمَّ الوصول بالناس إلى هذه الحالة من الشعور نتيجة ملاحظتهم طيلة عقود من الزمن أن قاعدة “انزلوا الناس منازلهم” كما جاءت في الأثر، لا مجال لها عند التطبيق في مجتمعنا سواء أكان ذلك على مستوى المعاملات أو تولي المسؤوليات؛ إذ يُمكن لأي كان أن يكون مديرا أو مسؤولا أو سفيرا أو وزيرا لاعتبارات ذاتية لا علاقة لها بالكفاءة أو المقدرة، كما يُمكن لأي كان أن يتقدَّم الصفوف ويجلس على الأرائك الأولى، فقط لأنه من النوع الذي يدوس على كل القيم والأخلاق والقوانين لأجل تحقيق أهدافه، فكيف لا يفعل ذلك اليوم والأمر يتعلق بأعلى منصب في الجمهورية؟ ولذلك فلا مانع “أخلاقي” لديهم، هم أيضا، من أن يتقدموا بالترشح إلى مسؤوليات حتى وإن كانوا أعلم من غيرهم أنهم لا يستطيعون تحمُّل أوزارها…

ومن هذه الزاوية يكشف سؤال “لِمَ لا أكون رئيسا؟” الانقلابَ الحاصل في سلم القيم في المجتمع، وعلينا في هذا الجانب أن نُعيد ضبط الأمور وفق شريعتنا السمحة وتقاليدنا ونُعيد النظر في القوانين الناظمة لهذه المسألة لعلّنا نستعيد الأمل في أن يتريث الراغب في المسؤولية إلى أن يُرشِّحه الآخرون، (أحزاب أو هيئات أو جمعيات… الخ)، وأن يكون لذلك، حد أدنى من الشروط بعيدا عن كل شعبوية أو ديمقراطية شكلية… وقد كتب في ذلك الأوَّلون ما كتبوا، بشأن شروط تولي الإمارة، وليس علينا سوى أن نقتدي بهم إن لم يكن لنا من اجتهادٍ نضيفه، ولا أظن أننا نملك ذلك أو اقتربنا من ذلك.

مقالات ذات صلة