-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا‭ ‬تقرأ‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإسلامية؟‭

أمين الزاوي
  • 7197
  • 2
ماذا‭ ‬تقرأ‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإسلامية؟‭

مرات كثيرات أتساءل، وأنا أعاين هذا الصراع والتهافت على تشكيل أحزاب دينية وبصيغ وماركات سياسية مسجلة، في تركيا التي تريد أن تستعيد مجدها العثماني، حتى وإن كانت قد ضيّعت الحرف العربي، أتساءل: ماذا يجب على الإسلاميين الجزائريين قراءتُه من الخزانة الجزائرية كي‭ ‬يكون‭ ‬لخطابهم‭ ‬الطعم‭ ‬المحلي،‭ ‬ويكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬ارتباطا‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬كما‭ ‬عرفه‭ ‬الجزائريون‭ ‬من‭ ‬آبائنا،

وكما‭ ‬مارسه‭ ‬الفهماء‭ ‬والعلماء‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬سلوكا‭ ‬وكتابة‭ ‬وتنظيرا‭ ‬وتفكيرا‭ ‬واجتهادا؟‭ ‬

أعرف جيدا، ومنذ البداية، أنني وضعت نفسي في امتحان صعب إذ يستحيل ذكر كل ما كتب في هذا الشأن، أو الإتيان ذِكرا وتذكيرا على جميع ما قام به المفكرون الجزائريون في هذا الباب، ولكني مع ذلك سوف أغامر، إذ لا فكر بدون مغامرة، وذلك باقتراح ما أراه من هؤلاء المفكرين الذين‭ ‬شكلوا‭ ‬علامات‭ ‬متميزة‭ ‬ممن‭ ‬قد‭ ‬يندرجون‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬التصورات‭ ‬والمشاريع‭ ‬الفكرية‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة،‮ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬التشكيلات‭ ‬السياسية‭ ‬‮(“‬المُترَّكة‮”‬‭ ‬من‭ ‬تركيا‮)‬‭.‬

لا أريد أن أذكّر بالشيخ عبد الحميد بن باديس، ولا بجمعية العلماء المسلمين، لأن الجميع يدّعي بما في ذلك الأحزاب الليبرالية غير الإسلامية، أنه يعتمد أفكار الجمعية مرجعية أساسية، كما الجميع أيضا يدّعي بأنه يعتمد مرجعية ثورة نوفمبر 54 العظيمة قاعدة عمل وسلوك وتفكير، وحتى خط أحمر لا يمكن المساس به، ولكني أتساءل، سؤال النية الطيبة، وأعلم جيدا أن الكتابة ليست بالنيات!!!: هل قرأ هؤلاء تاريخ جمعية العلماء المسلمين، هل وقفوا على أخلاق التسامح والاجتهاد والجدل النافع للاختلاف والتنوع، كما جاءت في كتابات منظريها ومفكريها،‭ ‬وهل‭ ‬قرأوا‭ ‬الأفكار‭ ‬الجريئة‭ ‬المتفتحة‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬بعض‭ ‬أدبائها‭ ‬من‭ ‬القصاصين‭ ‬والشعراء‭ ‬والمترجمين‭ ‬والمسرحيين‭ ‬والموسيقيين،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وُجِد‭ ‬والجزائر‭ ‬تعبر‭ ‬أوقاتا‭ ‬تاريخية‭ ‬صعبة‭ ‬وحادة؟‭ ‬

وفي السياق نفسه أتساءل: هل نظمت هذه التشكيلات يوما من الأيام، خارج خطب يوم العلم الذي يُتسابق عليه بكثير من الانتهازية، ملتقى دوليا حول بعض أفكار واجتهادات جمعية العلماء المسلمين الفكرية أو الفلسفية أو الدينية أو الأدبية، وهل أفرزت هذه الملتقيات كتبا مرجعية‭ ‬ونقاشات‭ ‬تخلصنا‭ ‬مما‭ ‬يغرقنا‭  ‬من‭ ‬‮”‬خطب‮”‬‭ ‬سياسية‭ ‬غريبة‭ ‬وتهريجية‭. ‬

لا أريد أن أذكّر أيضا بمالك بن نبي، الذي يتفاصح الكثيرون من بعض هذه التشكيلات باعتماد أفكاره قاعدة، إلا أني أتساءل: هل حاولت هذه الأحزاب أن تعيد ترجمة أو تعيد طبع كتب هذا المفكر، هنا عليّ أن أنوّه بما قام به السيد نور الدين بوكروح في ما كتبه عن ابن نبي حتى وإن كانت هذه الكتابات قد أغضبت البعض أو اختلف معها البعض الآخر أشير هنا إلى كتاب (L’islam sans l’islamisme, vie et pensée de Malek Bennabi, édition Samar)، ولكن مهما كان هذا الجدل علينا الاعتراف للمؤلف بهذا الكتاب.

أريد أيضا أن أنبه إلى أنني في هذا المقام، لا أريد الحديث عما قامت به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أو المجلس الإسلامي الأعلى، مشكورين في هذا الشأن، لأن حديثي لا يمس الهيئات والمؤسسات الرسمية، فتلك لها سياستها الخاصة والمنبعثة من فلسفة النظام.

ومن خلال قراءتي للخطاب السياسي الإسلامي الجزائري وعلى مدى ربع قرن، أشعر بأنه خطاب فقير، إنه خطاب يحتاج إلى ثقافة جديدة، خطاب بدون سند اسمه: المكتبة الجديدة، يفتقر إلى لغة معاصرة، تنقصه المرجعيات المحلية القادرة على ربطه بما كتبه علماؤنا وفلاسفتنا، حتى نقطع الطريق على بعض تلك التيارات التي تحاول أن تدمغ عقول شبابنا بأفكار بعض الدعاة الذين نكتشف رويدا رويدا، يوما بعد يوم، بعض فضائحهم الفكرية والأخلاقية على غرار فضيحة كتاب “لا تيأس” لعائض القرني والذي سرقه من كتاب السيدة سلوى العضيدان. 

لذا إني أرى بأن أولي الأمر فكريا، ممن ينتمون أو يشرفون على هذه التشكيلات الإسلامية الجديدة لا يمكنهم أن يكونوا في المعاصرة السياسية كما يدّعون، انسجاما مع نغمة الربيع العربي كما تقول الأسطوانة الرائجة، إلا إذا كانوا في المعاصرة الثقافية، وهذه المعاصرة لا يمكنها أن تكون ولا يمكنها أن تتوفر لديهم إلا إذا فتحوا خزانة الكتب والكتاب الجزائريين على اختلاف مشاربهم، الأحياء منهم والأموات: من محمد بن شنب مرورا بمحمد ديب وكاتب ياسين وعبد الحميد بن هدوڤة وعمار بلحسن وآسيا جبار وزهور ونيسي وعبد الملك مرتاض والطاهر وطار وياسمينة خضرا ومايسة باي وأحلام مستغانمي وربيعة جلطي ورشيد ميموني وبشير مفتي وحمري بحري والحبيب السائح وعامر مخلوف وحميدة العياشي وأبو إلياس واعمر مزداد وأزراج عمر ومحمد صالح حرز الله والجيلالي خلاص وصفية كتو ومصطفى فاسي وبختي بن عودة والطاهر جاووت وإبراهيم سعدي وقدور محمصاجي ونبيل فارس وعادل صياد وبوزيد حرز الله وميلود خيزار ورابح خدوسي وعياش يحياوي وحميد ڤرين وشوقي عماري ولميس سعيدي وكمال داوود والعيد بن عروس وعبد الله الهامل وعبد القادر جمعي وعبد الله حمادي وأنور بن مالك و… .

إذا أردنا التأسيس لنهضة حضارية شاملة جديدة، النهضة الثانية، علينا أن نعرف بأن أجدادنا الذين أسسوا للنهضة الأولى كانوا على دراية بالأدب والكتاب على اختلاف المشارب والرؤى، بل إن الكثيرين منهم كانوا يمارسون الكتابة التخيلية، إذ أن أغلبهم كانوا من الشعراء، أو قد‭ ‬تربوا‭ ‬وهم‭ ‬يقودون‭ ‬النهضة‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬على‭ ‬ذائقة‭ ‬جمالية‭ ‬عالية،‭ ‬ترّبت‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬والمسرح‭ ‬والموسيقى‭. ‬

لا يمكنني أن أتخيّل زعيم حزب معاصر، مهما كانت إيديولوجيته دينية أو علمانية أو ليبرالية أو وطنية، دون أن تكون له المعرفة والشغف بالأدب والمسرح والموسيقى الراقية، التي ترفع من الحس الإنساني وتعمق لديه المقاومة عن طريق القيم الخالدة في الفلسفة والجمال واللغة وتبعده عن العنف والتطرف، من لا يعرف أعمال امحمد إسياخم ومحمد خدة ورشيد قريشي والطاهر ومان وعبد الرحمن عيدود وباية وعائشة حداد وعمار علالوش وبلخريسات في الفن التشكيلي (وغيرهم) ولا يعرف علولة وعزالدين مجوبي وسليمان بن عيسى وشريف زياني عياد وعمر فطموش وحسن عسوس‭ ‬وصونيا‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬السيكتور‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬‮(‬وغيرهم‮)‬‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الأعمال‭ ‬السينمائية‭ ‬لعمار‭ ‬العسكري‭ ‬والأخضر‭ ‬حمينا‭ ‬ومرزاق‭ ‬علواش‭ ‬‮(‬وغيرهم‮)‬‭… ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬المعاصرة‭ ‬سياسيا‭. ‬

لا يمكنني تصور قائد سياسي إسلامي معاصر، يستعمل الأيفون وألايباد ويركب الطائرات وفي مقاعد الدرجة الأولى، وله موقع على الشبكة العنكبوتية، بينما يظل على جهل بما كتبه أبناء هذا البلد. من لم يقرأ ما كتبه الدكتور عبد الله شريط في باب المثقفين وعلاقتهم بالسلطة، أو في باب الدين والسلطة، أو في باب المؤسسة الدينية والهيمنة، من لم يقرأ ما كتبه مصطفى الأشرف عن اللغات والعنف والتحرير والحرية والعدالة والمكان، من لم يقرأ ما كتبه عبد المجيد مزيان في باب حوار الديانات أو في باب الثقافة العالمة والثقافة الفلكلوروية أو في باب تاريخ الجزائر الديني والفكري، ومن لم يقرأ ما كتبه محمد أركون في إنسانية الإسلام، والإسلام وأوروبا، والإسلام والغرب، والإسلام والمعارف … من لم يقرأ هذه وأخرى كثيرة من تراثنا الجزائري لا يمكنه أن يؤسس حزبا، يخاطب جيلا يريده مرتبطا بقيمه الثقافية وذاكرته الوطنية وفي الوقت نفسه متفتحا على العالم، من ليس على علاقة حية متصلة ومتواصلة مع خزانة الأدب والفكر في الجزائر بكل تنوعها اللغوي والفكري والجمالي، لا يمكنه المساهمة في حلم التأسيس لنهضة ثانية، مهما كان خطابه المعتمد دينيا أو لائكيا أو وطنيا. إن الأدب الروائي‭ ‬يعلّم‭ ‬السياسي‭ ‬تفاصيل‭ ‬مجتمعه،‮ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تعلمه‭ ‬له‭ ‬كتب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتشريع‭ ‬والاجتماع‭.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • madi

    السلام عليكم .بودي فقط أن تعطينا سيرتك الذاتية

  • لمين غالم

    شكرا أيها الأمين ..بمثل هذه المقالات نؤسس لفكر تنويري جاد ، ركيزته التنوع والتفتح و الشمول ( بالمعنى الكيفي لا الكمي).
    إلا إنني في هذا المقام ألفت إنتباه أستاذي الأمين إلى شيئين إثنين :
    1- محترفوا السياسة في بلادنا لا يعرفون من معاني السايسة سوى البوليتك. وهو حُكمٌ عام لا إستثاء فيه.
    2- الإغتراب الفكري والإديولوجي ساهما في خلق بؤر من الإحن الثقافي ، وليس من سبيل لردمها سوى الإعتدال.و العمل المضني المخلص من طرق المثقفين والمفكرين خصوصا لخلق ممرات ثقافية محصنة داخليا ، وغير مرتبطة بأجندات خارجية