-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا ستختار في رمضان؟

سلطان بركاني
  • 772
  • 0
ماذا ستختار في رمضان؟

في أوّل ليلة من رمضان، ستفتح أبواب الجنّة لتهبّ نسماتها، وتغلق أبواب النّار، وينادي منادٍ من السّماء: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر”؛ فهل سنجيب نداء الملك؟ أم إنّنا سنُسْلم قيادَنا للصوص رمضان الذين يدعوننا إلى السهرات وقتل الأوقات مع برامج الإثارة والضّحك التي يعقب بعضها بعضا إلى وقت السّحَر؟ هل سنثني الركب في بيوت الله لنتلو كلامه ونتدبّره، أم إنّنا سنحثّ الخطى في الأسواق ذهابا ومجيئا نمتّع أبصارنا بألوان الأطعمة والحلويات؟ هل سنقوم الليل في التراويح والتهجّد، أم إنّنا سنقعد الليل في المقاهي وأمام شاشات هواتفنا، نقلبها في اللغو والتفاهات؟

في وسع كلّ واحد منّا أن يختار طريقه وبرنامجه في رمضان؛ بين طريق تهواها النّفس ولا تحتاج إلى صبر ومجاهدة ومغالبة، وطريق تراها النّفس شاقّة، لكنّها الطّريق التي تجد فيها الرّوح أنسها وبهجتها.. والعاقل من ينظر إلى النّهايات في البدايات.. رمضان أيام معدودات، والمحروم من يسمع الإعلان عن رؤية هلال شوال ليلة العيد، وهو لم يغيّر شيئا في حياته.. المحروم من يرحل رمضان ولم تغفر ذنوبه ولم تعتق رقبته؛ يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: “رغِم أنف رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له” (رواه التّرمذيّ).

كما نقرأ ونسمع الآن كلمات عن استقبال رمضان، وعن أوّل يوم وأول ليلة، ستمرّ الأيام سريعا، وإن طالت بنا الأعمار لن نشعر حتّى نقول: هذه آخر ليلة من رمضان، وهذا آخر يوم من شهر الصيام.. عندها، لعلّ قلوبا كثيرة ستتحسّر، ولعلّ أرواحا كثيرة ستبكي ولسان حالها: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، يا حسرتا على ضياع رمضان مرّة أخرى.. لم أغيّر في حياتي شيئا، ولم يتغيّر في قلبي شيء؛ لا يزال قلبي قاسيا، ولا أزال أصلي من دون خشوع، ولا أزال أقرأ القرآن على عجل وعيني على آخر الجزء.

إذا كنّا نريد ألا يضيع منّا رمضان هذا العام، كما ضاع رمضان الذي قبله، فينبغي للواحد منّا أن يغيّر من تعامله مع رمضان.. رمضان شهر كريم وعزيز، يستحقّ أن نهتمّ به، ونحسن استقباله وضيافته.. الاستهتار الذي عهدناه في أعوام ماضية، والبرنامج المتفق عليه بين كثير من الصّائمين: سهر إلى وقت السّحور في المقهى، ونوم بالنّهار إلى وقت الظهر أو العصر، ثمّ طواف في الأسواق إلى المغرب، ثمّ فطور، ثمّ جلوس أمام التلفاز لمتابعة برامج الضحك والإثارة، ثمّ ركعات قليلة من التراويح، ثمّ يتجدّد الملتقى مع الخلان في المقهى، وهكذا.. هذا البرنامج لن نكسب معه رمضان، ولن يجعل رمضان يشهد لنا عند الله عندما يرحل.. نحتاج لنحزم مع أنفسنا، وينظر كلّ واحد منّا إلى رمضان هذا العام على أنّه فرصة عمره التي لا تعوّض.. الله سبحانه يريد لعبده ك أن يُقبل عليه في رمضان بكليته، بقلبه ونفسه وروحه وسمعه وبصره، ويقول كما قال ذلك الحاجّ الجزائري وهو يرى الكعبة أوّل مرّة ويبكي: “نذرح يا ربّي وما عدتش نعاود”، يحتاج العبد المؤمن أن يقول هذه العبارة في أوّل ليلة من رمضان، عاقدا عزمه شاحذا همّته لبدء عهد جديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!